صورة تعبيرية.(أرشيف)
صورة تعبيرية.(أرشيف)
الأحد 12 فبراير 2017 / 21:10

الالتزام بالقوانين في غياب خليفة المسلمين!

وبطبيعة الحال يمكن أن يضرب أي مواطن بالقوانين عرض الحائط، وليس هذا المواطن "الملتزم دينياً" فحسب، لكن الأخير يفعل ذلك طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، ولا يجد في نفسه أي حرج من انتهاك القانون ومخالفته

بإعلان وفاة الخلافة الإسلامية في عشرينيات القرن الماضي، وحصر وجرد أعيان التركة، آلت أجزاء من دولة الخلافة إلى القوى الاستعمارية، وأجزاء تأسست كدول وطنية، ثم أخذت الأجزاء المستعمرة تستقل تدريجياً على شكل دول وطنية ذات دساتير حديثة، وخرج رجال الدين من كل تلك التركة بمجرد مفهوم، وهو مفهوم ولي الأمر الذي بقي معهم إلى يومنا هذا، فهم يرون شرعية الحكم في أي بلد قائمة على مفهوم ولي الأمر، لا على دستوره.

والإشكالية أن رجال الدين، من حيث زعمهم أن ما يقولونه شرع الله، ومن حيث أن أكثر المسلمين يحبون أن يلتزموا بما أمر الله، يصبح ما يقوله رجال الدين هو ما أمر به الله، ويصيرون المرجع للناس في دينهم ودنياهم، وبعض دنياهم تلك تتعلق بدولتهم، وشرعية الحكم فيها، والتي تقوم في نظر رجال الدين على مفهوم ولي الأمر.

هذا الوضع، أعني أن يعود مواطن في بلد حديث له نظام حكم، وشعب، وجيش، وحدود، ومؤسسات، إلى مفهوم وُلد أساساً لإعطاء الشرعية لخلافة إسلامية لا وجود لها، وليس إلى دستور ذلك البلد، يؤدي إلى نتائج أقل ما يقال عنها إنها كارثية.

فمثلاً، تنص الدساتير الحديثة على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات والفرص، بغض النظر عن عقائدهم وأعراقهم وأجناسهم، وهو الأمر الذي لا يتماشى مع الشريعة التي بين أيدي رجال الدين، فلا مساواة عندهم بين المسلم وغير المسلم، أو بين الذكر والأنثى، ولولا أن الرقّ صار جريمة ضد الإنسانية، لفرّقوا أيضاً بين ما يسمى بالأحرار وما يسمى بالعبيد.

ويترتب على هذا أن أي مواطن يقدّم رأي الشرع على نصوص الدستور، يصعب عليه تقبّل فكرة مساواته بغيره من المواطنين إذا كانوا من دين آخر، ومن العسير عليه القبول بحصول من يختلف عنه مذهبياً على الحقوق التي يحصل عليها، مع ما يترتب على هذا من آثار ونتائج على الأرض، وعلى مستوى الحسّ الوطني المشترك. هذا إذا كان على قناعة بالشرعية الكاملة لولي الأمر الذي أقرّ دستور المساواة، فإذا كان شاكاً في شرعيته، كانت فكرة المساواة أثقل على نفسه.

وفي مصر مثلاً، نجد شريحة من المواطنين المسلمين من ذوي التوجهات الدينية يرفضون إعطاء الحق للمواطنين المسيحيين في بناء دور عبادة لهم، مع تفاوت في مواقفهم بين الرفض المطلق وبين الرفض المقيد، رغم أن هؤلاء شركاء لهم في الوطن، ومواطنون مثلهم، ويفترض أنهم يحصلون على الحقوق نفسها، كما ينص الدستور.

وفي ظل وجود قوانين قد لا تكون متوافقة تماماً مع بعض أحكام الفقه، أو مع بعض الاتجاهات الفقهية، أو مع الفهم التراثي لبعض المسائل الفقهية، فمن المتصوّر أن يضرب المواطن ــ الذي يعود لرجال الدين في حلّه وترحاله ــ بكل ما يخالف اعتقاداته الدينية بعرض الجدار. وبطبيعة الحال يمكن أن يضرب أي مواطن بالقوانين عرض الحائط، وليس هذا المواطن "الملتزم دينياً" فحسب، لكن الأخير يفعل ذلك طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، ولا يجد في نفسه أي حرج من انتهاك القانون ومخالفته.

والمثال على ذلك ما يحدث في مصر، إذ تعد القوانين المصرية جميع الآثار من الأموال العامة، وتحظر الاتجار فيها، أو إجراء الحفر الأثري، وتلزم من يعثر على أثرٍ مصادفة إخطار السلطات، ومع هذا، يبيح مشايخ مصريين، جهاراً نهاراً وعلى القنوات الفضائية، لجمهورهم من المواطنين المسلمين المتاجرة بآثار بلادهم، بل تحطيمها إن دعت الحاجة، تارة بحجة أن هذه الآثار ركازٌ وهي من حق من توجد في أرضه، وتارة بحجة أن بعض تلك الآثار تجسّم أشخاصاً، ومن ثم لا بديل عن تحطيمها حتى لو كانت تساوي الملايين، ويحرم حتى المتاجرة بها.

أما في قوانين الأحوال الشخصية، وهي التي تنظّم العلاقات الأسرية، فحدّث بالانتهاكات التي تقع عليها ولا حرج، ذلك أن الفقهاء كما هو معروف اختلفوا في الكثير من المسائل الشرعية، وحين تقرر دولة ما وضع قانون للأحوال الشخصية، فهي تنتقي في كل مسألة رأياً من الآراء، وتأمر بالالتزام به في القانون.

ولنأخذ مسألة الطلاق الثلاث في لفظ واحد، أي قول الرجل لزوجته: أنتِ طالق طالق طالق، أو أنتِ طالق بالثلاث، فبينما اختارت بعض قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية الرأي الفقهي الذي يعتبر مثل هذا الطلاق طلقة واحدة فقط، فقد يجد المواطن ــ الذي يعود لرجل الدين وليس للقانون ــ نفسه في حرج إذا كان قد أوقع الطلاق بثلاثة ألفاظ "طلاق"، وكان يأخذ بالرأي الفقهي الذي يعتبر مثل ذلك الطلاق طلاقاً بالثلاث، لا تحل له مطلقته حتى تتزوج غيره، ويدخل بها دخولاً شرعياً، ثم يطلقها أو يموت عنها.

وربما كان هو ملتزماً بما يقوله القانون، الذي وضعته السُلطة المختصة (ولي الأمر)، وقرر مراجعة مطلقته في فترة عدة الطلاق الرجعي، لكن مطلقته تتبع الرأي الآخر وليس ما يقوله القانون، فتدخل معه في صراع حلال وحرام، لأنها بحسب الرأي الآخر لا تحل له حتى تتزوج غيره. والأسرة والأولاد في كل هذا في مهب الريح.