الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي مجتمعاً بإسلاميين. (أرشيف)
الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي مجتمعاً بإسلاميين. (أرشيف)
الخميس 16 فبراير 2017 / 20:09

حين يهجو المرزوقي التونسيّين

هل كان المرزوقي يشتم الشعب لو فاز بالرئاسة بدلاً عن الباجي قايد السبسي ؟

1-
تغفر الشعوب لمثقفيها وفنانيها ان خرجوا عن سكة المديح والمجاملة وسلكوا طريق هجاء الشعب. وتتسامح الشعوب مع شعرائها، ولو بعد حين، وتتصالح معهم إذا أغلظوا في القول، او شتموا أو استهزؤوا بالشعب، وسبب الغفران والصفح هو أن هذه الشعوب، من خلال الرأي العام تدرك أن مقولات هؤلاء الشعراء وأهاجيهم نابعة من نوايا طيبة قوامها الحب، والرغبة في الإصلاح، رغم أنها جاءت في قالب من الاستفزاز والتجريح، والمثل الفرنسي يقول: من أحب بصدق عاقب بحق.

2-
حين قرر الشاعر الصعلوك الشنفري في قصيدته الشهيرة ، "لامية العرب" أن يهجر قومه متخذاً من الحيوانات الكاسرة مثل الذئب والسبع أصدقاء وأهلًا، واتجه اليها فهي، في نظره، تحفظ السر، ولا تشي بالجاني، ولا تتبجح، ولا تخذل الصديق.

وحين قال الشاعر العربي المتنبي مخاطباً الأمّة و ما استقر في عقول بعض الناس من فهم الدين بإحْفاء الشوارب، فقد كان يغار على الأمة حتى لا تصير مسخرة الامم الاخرى:
" أغاية الدين أن تحْفوا شواربكم / يا أمة ضحكت من جهلها الأممُ "

وفي العصر الحديث، كتب الشاعر العراقي معروف الرصافي ساخراً من الشعب الساكن الساكت الراضي بالرضوخ للظلم والاستبداد والسعيد بالجهل وغياب العقل :
يا قـوم لا تتكلَّـموا إن الكــلام محـرَّمُ
ناموا ولا تستيقظـوا ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ

.......ثم أضاف :
وتَثبتُّوا في جـهـلكم فالشرُّ أن تتعلَّــموا،
ثم تمادى في السخرية من انسحاق الشعب وقبوله بالظلم :
وإذا ظُلمتم فاضحكـوا طربـاً ولا تتظلَّمـوا
وإذا أُهـنـتم فاشكروا وإذا لُطمتم فابسموا
وهذا ابو القاسم الشابي خاطب الشعب التونسي الخامل والراضي بالاستعمار الفرنسي والقهر والإذلال، وتمنى الشاعر أن يكون حطاباً ليهوي بالفأس على الجذوع المنخورة، ويخاطب الشعب في قصيدة ( النبي المجهول): أنت روح غبية تكره النور. وهذا نزار قباني الذي اشتهر بهجاء العرب، كتب قصيدة عنوانها (متى يعلنون وفاة العرب ؟ ) وكأنه ينتظر دفن الأمة، ونزار نفسه هو الذي سبق أن قال معتذراً بعد طول تجريح للأمة في قصيدة ( إفادة في محكمة الشعر ):
إن أكن قد كَوَيْتُ لحمَ بلادي، فمن الكيٍّ قد يجيءُ الشفاءُ.

3-
إن كل شعوب العالم تستوعب لحظة الشاعر حين يهجو بلاده، فهو يريد لوجهها القبيح أن يتستر، والشعوب في العمق تعرف شعراءها، و هي منهم لا تغضب.
هذا ما يقوله التاريخ في علاقة الشعوب بشعرائها وكتابها، وهو أمر قد لا يعرفه الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي الذي أطلق لسان القلم بالفرنسية ليكتب في جريدة "لوموند " الفرنسية كلاماً أغضب جل التونسيين، وأجرت معه قناة "الجزيرة" القطرية حواراً مستفزاً لمشاعر التونسيين، فقد نعت الشعب التونسي بصفات كريهة مثل النفاق والارتشاء والفساد ،وما إلى هذه الكلمات التي من الممكن أن تخدع المنتخب القادم، وتوحي بأن المرزوقي سيكون فارساً لمحاربة الفساد والرشوة !

4-
نتيجة كلام المرزوقي هي أن قطاعاً واسعاً لم يهتم بما قاله عندما كان في السلطة، فكيف يهتم به وهو خارجها ويسعى إلى أن يقترب من جديد من دايرة الرياسة بأسلوب يحتوي على منسوب عال من الدونكيشوتية و الانتحارية السياسية.

5-
ولم يغفر قطاع آخر من الشعب للمرزوقي كلامه هذا لأسباب منها أنه ليس فناناً، ولا شاعراً ولا أديباً ولم يبدُ في تقييمه مفكراً، ولا طبيباً في معالجة نفسه من داء الرئاسة .

6-
وثمة قسم آخر يرى أنه لا بد من الاهتمام بكلام المرزوقي، لمعرفة الجهات الواقفة وراءه في تونس وخارجها، أو لأن زعيم الإخوان المسلمين في تونس راشد الغنوشي عينه رئيساً على تونس بصفة مؤقتة في فترة الحكومة الائتلافية، ونجح المرزوقي في أن يكون رئيساً فاشلاً، واعترف، هو نفسه بارتكاب أخطاء أثناء الرئاسة .

7-
ولكن لماذا احتجّ قطاع واسع من الرأي العام التونسي على تصريحات منصف المرزوقي؟ ولماذا صرح بما صرح به في قناة الجزيرة ولماذا كتب ما كتب في جريدة لوموند ؟

فقد اتهمت بعض الصحف المرزوقي بالجنون، والخروج عن المألوف والعمالة لجهات اجنبية والقبض، وطالبوا العدالة بمقاضاته، ورفع الحصانة عنه باعتباره رئيساً سابقاً، ومرشحاً للرئاسة غير ناجح، بعد أن أطلق الإخوان التونسيون في حزب النهضة حرية التصويت، فذهبوا وصوتوا للمرزوقي ،دون أن يتمكن من الفوز بالرئاسة، وكانت الأسئلة :
أولاً: هل كان المرزوقي يشتم الشعب لو فاز بالرئاسة بدلاً عن الباجي قايد السبسي ؟
ثانياً: هل إنّ المرزوقي نسي أنه اعترف بأخطاء كثرة ارتكبها عندما كان رئيساً لتونس، وانجازاته هي أنه فتح الحوار مع الجهاديين، وأفسد علاقات تونس بأكثر من بلد عربي شقيق، فخرب مصالح التونسيين في أكثر من بلد، وتدخل في الشأن المصري وطالب بإعادة مرسي الى السلطة، وهو تدخل سافر في سياسة مصر وسيادتها.
ثالثاً: هل سيحاسب المرزوقي أخلاقيا على هذه المواقف إزاء الشعب التونسي الذي دفع فواتير أخطاء المرزوقي؟
رابعاً: هل يواصل الشعب الملعون دفع راتب شهري تقاعدي مرتفع من أموال الشعب الملعون إلى الرئيس سابقاً وهو يرغب في أن يكون رئيساً لاحقاً؟

8-
إن وقفة الاحتجاج أمام بيت المرزوقي شكلت سلوكاً حضارياً مهذباً مع هذا الذي يطمح، في سذاجة سياسية مفرطة أن ينتخبه شعب نعته بالفساد والارتشاء والكذب، وهي صفات عفنة ونتنة، والطريف أنها لم تعد تثير أحداً، خاصة إذا طلعت من فَمِ المرزوقي .