من مؤتمر دعم الانتفاضة في طهران.(أرشيف)
من مؤتمر دعم الانتفاضة في طهران.(أرشيف)
الأحد 26 فبراير 2017 / 20:07

ورقة فلسطين في مؤتمر طهران!

عقد الإيرانيون مؤتمرهم "لدعم الانتفاضة" كجزء من تجميع الأوراق، وتحشيد القوى، بعد فوز ترامب بالرئاسة الأميركية، وبداية مرحلة جديدة تتسم بالتصعيد بين طهران وواشنطن. وبهذا المعنى، فإن الفائدة التي يمكن أن يجنيها الفلسطينيون وقضيتهم، على الأرض، من مؤتمر كهذا تظل قليلة جداً، أما الثمن الذي يمكن أن يدفعوه، من دمائهم ودموعهم، نتيجة مضاربات ورهانات إقليمية كهذه فيظل كبيراً.

وإذا كان ثمة من دلالة لمؤتمر كهذا، وفي توقيت كهذا، فتتمثل في حقيقة أن الورقة الفلسطينية بحمولتها الرمزية والسياسية، وتاريخها الطويل، وعلى الرغم مما أصابها من وهن في السنوات الأخيرة، تظل جزءاً من الصراع الإقليمي على المصالح والنفوذ، ووسيلة لتمويه ضرورات الحماية والبقاء، وراء قناع "المقاومة والمُمانعة"، الذي افتضحت حقيقته بعد ثورة السوريين على نظام آل الأسد، وسقوط سورية في درك الحرب الأهلية.

وكالعادة، تصدّرت بعض الوجوه الفلسطينية التقليدية في محور "المقاومة والمُمانعة"، المشهد الإعلامي، وبعضها يقيم في طهران، والبعض الآخر في دمشق. ومِنْ هؤلاء مَنْ انخرط في القتال إلى جانب النظام في الحرب ضد السوريين المطالبين بالحرية في بلادهم. ومن اللافت التصريحات التي اطلقها الأمين العام للقيادة العامة أحمد جبريل، الذي تكلّم بلغة مُستهلكة تنتمي إلى سبعينيات القرن الماضي، وتهدد أمن وسلامة بلدان عربية مختلفة.

لن نضيف جديداً إذا قلنا إن فلسطين، شعباً وقضية، دفعت ثمناً باهظاً نتيجة هذا النوع من التصريحات والسياسات في سبعينات القرن الماضي، وأن ابتعاد قيادة منظمة التحرير عن سياسة المحاور والاستقطاب، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، جاء بعد دروس وعثرات مؤلمة وقاسية. وفي سياق الصراع على الورقة الفلسطينية، تعرّضت منظمة التحرير لمحاولات التقويض والاستيلاء عليها من الداخل.

فنظام صدّام حسين دعم جماعة أبو نضال المُنشقة في أواسط السبعينيات. وقد قامت الجماعة المذكورة، التي تحوّلت إلى بندقية للإيجار، بسلسلة متلاحقة من عمليات الاغتيال كان أبرزها اغتيال اثنين من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح. القذافي، من جانبه، أنشأ فرعاً فلسطينياً للجانه الشعبية في ليبيا على أمل الحصول على موطئ قدم في الساحة الفلسطينية، على غرار العراق (جبهة التحرير العربية) وسورية (الصاعقة).

أما أكبر وأخطر محاولة للانشقاق فكانت تلك التي قامت بها جماعة مدعومة من نظام آل الأسد، في صيف العام 1983، وحاولت نزع الشرعية عن ياسر عرفات، وإنشاء فتح ومنظمة تحرير جديدة. ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل نتيجة افتقارها إلى قاعدة شعبية حقيقية، وارتهانها لسياسات الأنظمة التي اشتغلت في خدمتها.

بعد الفشل، وعلى غرار التجربة اللبنانية، التي استخدم فيها نظام آل الأسد كل نفوذه في لبنان لتقليص دور مختلف القوى والأحزاب اللبنانية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وقام بتلزيم هذا الدور لحزب الله، حاول النظام نفسه تكرار التجربة في فلسطين، بعد الانتفاضة الأولى وصعود حماس. كانت حماس فرعاً لجماعة الإخوان، التي يُعاقب النظام السوري أعضاء فرعها السوري بالإعدام، ولكن النظام غض الطرف عن الأصول والارتباطات الأيديولوجية لحماس على أمل أن تستولي حماس (المدعومة من إيران، أيضاً) على منظمة التحرير من الداخل. وهذه الحسابات تبددت بعد اندلاع الثورة السورية.

وبهذا المعنى، وعلى الرغم من كل ما مر من مياه تحت الجسر، ثمة ما يبرر القول إن "مؤتمر طهران" يندرج في السياق نفسه. وعلى الرغم من حقيقة أن منظمة التحرير ليست في أفضل حالاتها، وأن التشكيك في كونها ممثلاً شرعياً ووحيداً للفلسطينيين دخل قاموس السياسة الفلسطينية، والإقليمية، بعد صعود الإسلام السياسي، وفصائله، في فلسطين والشتات، إلا أن التجليات السياسية للمؤتمر المذكور تظل محكومة بحسابات السياسة الإيرانية، ومستقبل العلاقات الإيرانية ـ الأميركية.