من مفاوضات جنيف السورية.(أرشيف)
من مفاوضات جنيف السورية.(أرشيف)
الثلاثاء 28 فبراير 2017 / 20:09

عسكر ومخابرات في فراغ المعارضة السورية

في انتظار أن يعود وفد النظام الأسدي من دمشق إلى جنيف، يسود اعتقاد أن تعليق المفاوضات، بمواعيد جديدة للجولة المقبلة، أو دون مواعيد، سيكون بداية تسخين للمعارك من جديد، ليس على جبهات محاربة داعش التي لم تبرد أصلاً، بل على الجبهات الأخرى الباردة

 بالتزامن مع سيطرة الجيش الحر على "الباب"، بدأت محادثات جنيف4، دون وجود مؤشرات على النجاح، حتى مع قبول الائتلاف، والهيئة العليا للمفاوضات، بمشاركة منصتي القاهرة وموسكو في الوفد المفاوض. فمنذ اليوم الثاني من المفاوضات، تبين أن دي ميستورا لا يرى في الوفد المفاوض "وفداً مفاوضاً"، ويريد إعادة تشكيل وفد جديد ممن حضر.

هذه كانت أولى المفاجآت، حيث بدأت "المنصات" باتهام الوفد الذي شكلته الهيئة العليا للمفاوضات بالعنجهية والتعالي، ما يعني أن وفد النظام في غاية الاسترخاء والشماتة، في انتظار أن تحل المعارضات السورية مشاكلها الداخلية، والاتفاق على أهداف محددة قبل البدء بالمفاوضات.

على الأرض، لا تملك المعارضة، الآن، من المدن سوى "الباب" بعد سيطرة الحر عليها، إذا استثنينا إدلب التي يسيطر عليها تحالف "النصرة" وإخوانها. بينما توجهت فلول داعش إلى الرقة فرادى، مع احتفاظها بخلايا نائمة، أو كامنة، ستشعل التفجيرات والمفخخات، والعمليات الانغماسية، التي ستقتل أعداداً كبيرة من الجيش الحر، والقوات التركية، كما حدث في "سوسيان" قرب الباب.

من جهتها، تعتقد "الهيئة" أن منصات موسكو وأستانة وبيروت أقرب ما تكون إلى الإبقاء على النظام في فترة انتقالية، أو إلى الأبد. بينما ترى المنصات أن استحالة تحقيق نصر عسكري على النظام تجعل القبول بالنظام، على علاته، أمراً لا بد منه حتى يتم تأمين حياة ما تبقى من السوريين.

أما أمريكا فتلعب من وراء الستارة، وآخرها زيارة السيناتور الأمريكي جون ماكين إلى عين العرب (كوباني)، قبل أيام، باعتباره رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس. وتقول التكهنات أن سبب الزيارة هو محاولة التوفيق بين الأكراد وتركيا في محاربة داعش، لفتح "كوريدور" من تل أبيض نحو الرقة يسمح بدخول فصائل معارضة مدعومة من الجيش التركي، لمحاربة "داعش" في الرقة. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بموافقة الأكراد الذين يسيطرون على معظم منطقة تل أبيض.

ما بعد حلب، روسيا تبدو "بابا نويل" في عزِّ الاحتفال بميلاد المسيح، لكن أمريكا، أو تركيا، لا تتقبلان الهدايا، فكل منهما تطلب هدايا بعينها، دون ما يشير إلى أن التقسيم الجغرافي لسوريا الحالية هو هدفهما. وعلى الأرجح، هنالك قسمة ديموغرافية يسعى إليها كل من الدولتين، ليس أساسها فقط الأكراد والعلويين كما يظهر على السطح، فالتقاطعات بين الطوائف تعقد الحسابات. كذلك، تضيف الانقسامات السياسية بين الأكراد أنفسهم، والعلويين أنفسهم، تعقيدات إضافية مرغوبة من الأمريكان، خاصة. فالحل الأمريكي يفضل، عادة، الجغرافيا القلقة، والاستقرار الهش، بحيث تتحكم بالحرب، أو السلام، متى أرادت. وليس أدل على ذلك من مناقشات الكونغرس المعلنة مع الـ"سي آي أي"، ومع "وزير الدفاع"، حيث يبدو أن قادة التشريع حمائم غاضبة، في مقابل صقور العسكر والمخابرات المدجنة.

أما عن مشاركة الفصائل العسكرية في "جنيف4" بنسبة تقل قليلاً عن 50% في وفد المفاوضات، فتشير إلى محاولة روسيا وتركيا الدفع نحو تفاهم النظام الأسدي مع "العصابات المسلحة"، في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام السياسيين المعارضين، فهؤلاء لم يحتلوا مكاناً وحظوة في الدوائر المتحكمة بالقرار السياسي المستقبلي لسوريا المستقبل، على الرغم من التراكم الافتراضي للخبرة في الجولات السابقة من المفاوضات.

المؤشرات على ذلك تستند إما إلى رغبة المتحمكين في إطالة عمر الأزمة في انتظار جر الأطراف لتشكيل حلف موحد من أعداء داعش للقضاء على البنية الصلبة لداعش وإعادته لأصله القاعدي النائم، أو إطالة عمر المعارك الجانبية بالاستفادة من خلافات الأطراف وعدم اتفاقها على أن العدو المشترك هو داعش.

في الحالتين، سيكون المكسب الموقت هو استدامة وقف إطلاق النار بسقف زمني طويل نسبياً، مع أقل ما يمكن من الخروقات، على الرغم من عدم التزام النظام الأسدي بالهدنة، وتسلله من ثقوب الاستثناءات فيها، مستفيداً من عدم الاتفاق العام على التصنيف الدولي لـ"المنظمات الإرهابية"، وتلك الموصوفة بـ"المعتدلة".

في النتيجة، المعارضة تتراجع سياسياً وعسكرياً، بينما يحقق النظام الأسدي تقدماً في اختراق المواقف المتصلبة، مستفيداً من افتراق المصالح بين المعارضة والأطراف الداعمة لها. وآخر ما صدر هو الموقف التركي، على لسان المستشار الإعلامي للرئاسة التركية، إيلنور شفيق، الذي قال (الإثنين): إن رئيس النظام، بشار الأسد، هو أحد الأطراف المتواجدة في سوريا، ويجب تمثيله في المفاوضات السياسية، ولكن لا يجب بقاءه في السلطة.

مع ذلك، أشار شفيق إلى أن تركيا وروسيا تختلفان حول مصير الأسد. فروسيا تصر على وجوب بقاء الأسد في السلطة، كي لا تنهار الدولة السورية. على عكس الموقف التركي الذي لا يرى خطراً إلا في إمكان قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية.

وفي انتظار أن يعود وفد النظام الأسدي من دمشق إلى جنيف، يسود اعتقاد أن تعليق المفاوضات، بمواعيد جديدة للجولة المقبلة، أو دون مواعيد، سيكون بداية تسخين للمعارك من جديد، ليس على جبهات محاربة داعش التي لم تبرد أصلاً، بل على الجبهات الأخرى الباردة، أو الأقل سخونة، علَّها تزيد المفاوضات سخونة.