من أوبرا عنترة وعبلة في مسرح البحرين.(أرشيف)
من أوبرا عنترة وعبلة في مسرح البحرين.(أرشيف)
الخميس 2 مارس 2017 / 20:22

الانتصار الأكبر لثقافة الحب!

يشكّل الحب في مختلف الثقافات الإنسانية أدبيات كبرى لاتكاد تخلو منها ثقافة ولا حضارة إنسانية وهي ليست قصرًا على شعب من الشعوب وإن كان العرب هم أكثر الشعوب في العالم تعبيرًا عن الحب في كتابتهم

قبل حوالي أسبوع حضرتُ عرضاً لأول أوبرا عربية قائمة على التمازج بين الثقافة العربية القديمة في أدبياتها العشقية الكبرى وبين التناغم الكوني الأوبرالي. الأوبرا هي "عنترة وعبلة" للكاتب اللبناني أنطوان معلوف والمؤلف الموسيقي والمايسترو مارون الراعي. وقد قُدِّمت هذه الأوبرا بمسرح البحرين الوطني ضمن فعاليات "ربيع الثقافة" البحريني لهيئة البحرين للثقافة والآثار وتزامنًا مع يوم السياحة العربي. وأوبرا (عنتر وعبلة) هي أوبرا عشق كوني تجسد قيم التعايش والسلام والتنوّع الثقافي والقبول بالآخر المختلف؛ فالكون يزخر باختلافاته الجميلة. لقد وظَّفت هذه الأوبرا قصة الحب التاريخية الكبرى بين عنترة وعبلة في إطار كوني مطلق قائم على الانتصار للحب في العالم بعيدًا عن الكراهيات. وكانت المجاميع الغنائية(الكورس) في هذه الأوبرا المنسوجة من العشق الكوني تمثّل التنوعات الثقافية المختلفة للبشر حتى في تعدّد ألوان البشرة والأشكال، وتؤكد أن الجامع بيننا بوصفنا بشرًا هو الحب وهو أرقى قيم الإنسانية وأعمقها؛ فهذا الكون مؤسّس على الحب والتجاذب الكبير بين أقطابه وذراته.

قبل سنوات عدة اعتاد آلاف العشاق من مختلف أنحاء العالم المجيء إلى باريس وتعليق قفل على جسر الفنون وهو الجسر الذي يعبر نهر السين وسط باريس. كان العاشقان يعلقان قفلهما ثم يرميان مفتاحه في نهر السين مع أمنياتهما العميقة كي يكون حبهما خالدًا وأن يكون قلب كل واحد منهما مقفولاً عن الآخرين .. لايقيم فيه سوى معشوقه.

والحب في المنظور الصوفي الأعمق هو عشق بين ذرات هذا الكون؛ فهذا الكون لديهم مؤسّس على العشق الكوني بين أقطابه في التجاذبات والتنافرات. وقد تحوّلت قصة مجنون ليلى لديهم في أدبياتهم الكبرى إلى قصة تتجاوز عشق رجل وامرأة إلى أمثولة رمزية صوفية للوصول إلى رتبة الفناء في الذات الإلهية وفقًا لنظريتهم في وحدة الوجود.

يتزامن عيد العشاق في العالم(عيد فالنتاين) يوم الرابع عشر من شهر فبراير (شباط) من كل عام حيث تحتفل القلوب المحبة في هذا الكون بعشقها و يزدهي الكون بالأحمر في توهجاته المشعة الجميلة.
لماذا لانحتفل بثقافة الحب في تجلياته المختلفة وخاصة في أمثولته الكبرى الحب بين الكائنات. يشكّل الحب في مختلف الثقافات الإنسانية أدبيات كبرى لاتكاد تخلو منها ثقافة ولا حضارة إنسانية وهي ليست قصرًا على شعب من الشعوب وإن كان العرب هم أكثر الشعوب في العالم تعبيرًا عن الحب في كتابتهم؛ فقد تجاوزت مصنفاتهم الكتابية وآثارهم في العشق المئات متفوقين في ذلك على الأمم الأخرى. كما أبدعوا معجمًا عشقيًا في تلاوينه الجميلة وفي تدرجاته؛ فالهوى يختلف عن العلاقة ويختلف عن العشق والهيام . والجميل أنَّ مصنِّفًا متأخرًا هو الحافظ مغلطاي كتب كتابًا عنوان"الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين"!

لفت انتباهي احتفال معهد العالم العربيّ في باريس بين فترة وأخرى بمحور ناظم؛ ففي مرة من المرات على سبيل المثال كان الاحتفاء بألف ليلة وليلة من خلال عرض شامل لتجليات الليالي العربية في الثقافة العالمية من الأفلام السينمائية والمسلسلات واللوحات الفنية والإنتاج الأدبي. وأقول لماذا لانحتفي في وطننا العربي بثقافة الحب من خلال تخصيص اليوم العربيّ للحب يتمّ فيه الاحتفاء بثقافة الحب العربية وأدبياتها الكبرى المتنوعة ، ولماذا لانخصص عامًا للحب يتم فيه الاحتفاء بأروع القيم الإنسانية وأجملها على الإطلاق. لو فهمنا الحب الحقيقي في عمقه لزال التحرّج منه! لقد سئمنا من خطاب الكراهيات، ونريد أن نحتفي ونحتفل وننتصر لثقافة الحب وما أجملها من ثقافة!