الروائي العراقي أحمد سعداوي.(أرشيف)
الروائي العراقي أحمد سعداوي.(أرشيف)
الثلاثاء 14 مارس 2017 / 20:07

العراق في رواية

التاريخ الذي يبدأ حقّا هو ما بعد صدّام. بعد كلّ ما يضادّ صدّام. كاراكوزات يصلون إلى الحكم، مسوخ وتافهون منعدمو الشخصيّة لا يملكون أيّ حضور ولا كاريزما

"باب الطباشير" رواية أحمد سعداوي الروائي العراقي الذي فاز بجائزة "بوكر"، بلغت الطبعة الرابعة. واضح أنّ الروائي على أهبة أن يؤسّس لنفسه موقعاً وصيتاً. لا يعود هذا فقط إلى الجائزة، بل ثمّة دخل لموهبة الكاتب وللموضوع العراقي وللتكنيك الروائي. لكنّ ما يهمنّا في هذه العجالة هو كيف يبدو العراق اليوم في رواية عراقيّة: العراق المنهك بصراعاته الأهليّة، وتنازع القوى عليه وتفتته المتواتر، ما يهمنا هو كيف يبدو ذلك في معالجة روائيّة.

السعداوي في روايته الجديدة "باب الطباشير" لا يجد سوى الفانتازيا أسلوباً وتكنيكاً، الفانتازيا الّتي لاتذكّر بالواقعيّة السحريّة الللاتينيّة يقدر ما تعيد إلى الواجهة واقعيّة سحريّة أخرى هي التي قرأناها في روايات سلمان رشدي مثل "أطفال منتصف الليل" وخصوصاً "العار". هنا لا نجد غنائية ماركيز وشاعريته بقدر ما نجد الغروتسك الذي يبني منه سلمان رشدي، بما يعني ذلك من انهدامات وتراكمات وسرعات صاعقة، وبما يعني من تفريعات وتشعّبات، فالرواية هي هكذا مرجل تناسل ضخم لا يتوقف عن الإيلاد ولا عن االتحوّل، على نحو خاطف يسرق البصر بل يكاد يعميه.

الرواية تبدأ من زمن صدّام حسين. انّها تبدأ منه لأن هذه هي وصية التاريخ. لكن ّصدّام لايكاد يظهر مع أننا نراه في حدث فانتازي هو تنازله عن السلطة، لا لأي أحد وإنّما لابنه قصيّ صدّام حسين. بعد هذه الحادثة يكاد يختفي الأب والإبن لولا استرجاعات قليلة. التاريخ الذي يبدأ حقّاً هو ما بعد صدّام. بعد كلّ ما يضادّ صدّام. كاراكوزات يصلون إلى الحكم، مسوخ وتافهون منعدمو الشخصيّة لا يملكون أيّ حضور ولا كاريزما ولا تمكن مقارنتهم بالزعيم الراحل ولا وضعهم قبالته. لقد انهارت الدولة وانقسمت الى ثلاثة أقاليم: إقليم شيعي وآخر سنّي وثالث كردي ولكلّ إقليم جيشه وحكومته والأقاليم تتنازع وتتحارب وتلتقي في شبه كيان صوري، والحكومات المتلاحقة تعيد ترسيخ الصورة.

أنت لا تعوز الفانتازيا والسخرية . الواقع يحبل بالأعاجيب. ليست داعش وهيئة النصرة هي ذروتها. هناك الهجرة المتفاقمة الني جعلت المهاجرين يفوقون السكان عدداً. هذا يعني أن المهاجرين أي عراقيي المهجر هم الأكثرية وهم الشعب، ومن حقهم أن يحكموا وأن يديروا البلد، وهذا ما يحدث. يؤسس المهاجرون جيشاً ويعيدون احتلال بلدهم ويؤسسون في ديترويت حكومة عالميّة ويحسنّون البلد أو يطوّرونه. لن يكون هذا بالطبع من مصلحة الحكّام الذين يفقدون مراكز قوّتهم وعديدها في المنفى.

تبقى لنا عقدة الفانتازيا ومكمن سحرها الذي ألهم الرواية اسمها: العوالم السبعة، الأبواب السبعة، التعاويذ السبع، الموتى هنا لايموتون، أمامهم سبع حيوات أو ست. يخرجون من عالم ليدخلوا في غيره. ليست هذه هي المرة الأولى الّتي نرى فيها هذا التغلب على الموت، فهذا بالتأكيد من غايات السحر. ولكن في غمرة هذه المعمعات السياسية العسكريّة والغرامية لا نجد لهذا الإعجاز السحري وظيفة واضحة. إنّه إعجاز يبقى إعجازاً في حياة البعض من الذين عرفوا التعاويذ. جميل ان يدخل المرء إلى حياة أخرى من باب رسم بالطباشير، لكن ذلك يجري من دون أن يتدخّل في أي من الحوادث المفصليّة في الرواية. إنّه لا يحوّل المصير ولايؤثّر في الأهداف، حتى لنكاد مع الوقت ننسى وجوده.