الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حافظ قايد السبسي. (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حافظ قايد السبسي. (أرشيف)
الإثنين 27 مارس 2017 / 20:07

نداء تونس.. حزب توازن أم فكرة مضادة للإخوان؟

حاول راشد الغنوشي التوسيع في خريطة زبائن النهضة، وذلك بالتقليل من الأهمية الدينية في حزبه من أجل استمالة شقوق وشخوص واتجاهات في نداء تونس، ومغازلة المجتمع في شقه الديني

1-
حين انتخب الباجي قايد السبسي رئيساً لتونس، منتصراً، في الدور النهائي، على خصمه حليف قواعد الإخوانية منصف المرزوقي، صار عليه أن يودع حزبه "نداء تونس" ويقف على الحياد مع باقي الأحزاب والتكتلات الشقيقة واللصيقة والرقيقة والرفيقة والسليمة والسقيمة والشقيَّة والقِشيَّة والصديقة والعريقة والغريقة و(عددها صار الآن يفوق الـ200 حزب) وذلك حتى يصير، نظرياً، رئيساً لكل التونسيات والتونسيين. 

2-
كان من الممكن لحزب "نداء تونس" المنتصر الأول بأغلبية النواب في البرلمان أن يؤلف الحكومة برئيس من نداء تونس، كما يتولى رئاسة مجلس النواب، وكان حزب النهضة الإخواني هو الثاني في الترتيب من حيث الأغلبية، وهو الحزب الذي حذّر طويلاً من التغوّل، وهو الذي تغلغل وتوغل في مفاصل الدولة عندما كان على رأس حكومة "الترويكا"، وكأنّه لا يحذّر من التغول جَهْراً إلا الذي يمارسه سرّاً !

3-
اختار الباجي رئيساً لحكومة تكنوقراطية من غير نداء تونس هو الحبيب الصيد الذي اتهمت حكومته بـ "الأيادي المرتعشة" أو المرتبكة العاجزة عن الحسم في كثير من القضايا المصيرية مثل التعاطي المتسامح مع ملف الإرهاب، بسبب الجاذبية الحزبية الإخوانية التي باتت تُمارس دوراً شبيهاً بدور الزوجة التي تحترم زوجها أمام أهله وعشيرته ولكن ما إن يحل الليل ويذهب الأهل والرقابة الأسرية حتى تنفرد الزوجة بزوجها بهدف واحد هو أن ينحنيَ لأوامرها في السر، وله أن يقول في العلن ما يشاء(حفاظاً على الهيبة والرجولة،) خاصة بعد أن قضي الأمر، وباح راشد الغنوشي بأنه انتخب الباجي في الرئاسية. وفضّله على الحليف الرسميَّ منصف المرزوقي.

4-
صارت كلمة الشيخان تعني الباجي وراشد، ولقد رأى الشيخان أن يبدآ الألعاب في ثورة الشباب، وأحبّا أن يتوافقا ويترافقا، ويتعانقا في السر، بمنطق المصلحة العليا لتونس التي تقتضي التوفق والتوافق والتشافق، حفاظاً على وحدة تونس الغارقة في الديون والخائفة من غول الحزب الواحد ومن الإرهاب المربوط بتلابيب النهضة باعتبارها الحزب الوحيد القادر على فهم لغة الإرهابيين والمهربين وإيجاد لغة مشتركة مع هؤلاء الذين تدربوا في الجبال وفي الشعاب لخوض الحرب المقدسة في تونس أو سوريا أو أي مكان ممكن لإشهار راية دولة الخلافة.

5-
الكل يعرف أن حزب نداء تونس هو فكرة تكوّنت في زمن قياسي، بفضل هجمة الإخوان المنظمة على السلطة والمجتمع، فجاءت عناصره من كل الرؤى والمِزَق السياسية والعائلات الفكرية المناهضة للنهضة، والشخصيات المستقلة، وكانت تتحرك على وقع الأمل الذي كان يحدو الجميع بقرب قيام ساعة الحساب والعقاب مع النهضة التي جعلت الجريمة السياسية والاقتصادية والثقافية المنظمة مفردةً مألوفة في قاموس الحياة التونسية .

6-
ترك حزب "نداء تونس" رئيسه في قصر الرئاسة، وصار، بلا رأس، فرأسه الأول المدبر، المفكر، المحنك، التسعيني، الخارج من كف بورقيبة، بات ممنوعاً من النشاط الحزبي، وكان على الجميع أن يلتفت إلى إشارات هامسة من الرئيس "الندائي" إلى جماهير حزب النداء وما مثله بالنسبة للنساء خاصة.

هذا الرئيس بات يتحاور مع الإخوان، في إطار الوفاق، ويأخد برأيهم وبخاطرهم، ويسمعهم من قريب جداً، وأصبح عدوّ الحملة الانتخابية صديقاً أو شريكاً في الحكم، وباتت الدولة مجردة شركة، ولكل سهمه ونصيبه في الصفقات الكبرى والمناصب والحقائب.

7-
لم يعد ممكناً لجمهور وأنصار "نداء تونس" إلا ان يعودوا أدراجهم إلى مربعهم الأول ومنابعهم الأيديولوجية، فلم يستطع "نداء تونس" أن يتحول إلى حزب فاعل على الأرض، وذي استراتيجية مستقبلية .

لقد أرهقت الحكومة بتصريف شؤون يومية مكبلة لكل حكومة تريد أن تفرض وجهة نظر جربها، فلم يستطع الإخوان في فترة حكم الترويكا أن يكونوا في حل أو في حرية أو سلام مع المجتمع المدني وثقافته التي دافع عنها وهي ثقافة التنوير والحياة. ولم يكن نداء تونس قادراً هو الآخر على محو آثار النهضة وحاول التخفيف من تأثيرها في النسيج الاجتماعي والسياسي، ولكن النهضة ما انفكت تبتزّ مؤسسات الدولة من أجل ترسيخ هدف سري يسري مثل البنج في الجسد السياسي، وصار للنهضة اُسلوب ابتزازي لخصومها فهي الزوجة التي تقرر، وهي التي ترضى على الوزراء و السفراء والمدراء والمناصب الكبيرة أو لا ترضى، وهذا ما خلق طابوراً طويلاً من الانتهازيين، والشخصيات والنخب التي تحضر إلى مقر حركة النهضة، وتنتظر مقابلة راشد الغنوشي لتقبيل يده ونيل الرضاء السياسي.

8-
وحاول راشد الغنوشي التوسيع في خريطة زبائن النهضة، وذلك بالتقليل من الأهمية الدينية في حزبه من أجل استمالة شقوق وشخوص واتجاهات في نداء تونس، ومغازلة المجتمع في شقه الديني، ورغب حزب النهضة في أن يفوز بالدنيا دون أن ينسى نصيبه من الدين من خلال فتح باب دعويّ في بيت النهضة، وهذا الباب زاد في إرباك حزب نداء تونس الذي صار غير قادر على لم شمل منخرطيه، وصارت النهضة تشبه النداء، وتم نحت كلمة "النهداء".

9-
وبات نداء تونس يشبه تركة لرئيس حيّ جعل ابنه "حافظ قايد السبسي" فاعلاً ونفاذاً في نسيج الحزب وهيكلته، وقادراً على الالتحام بالنهضة الإخوانية التي يسرت له السبيل لكي يلتقط أنفاس التحالف مع الإخوان، وهكذا التقط حافظ قايد السبسي صورة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في قصره الرئاسي بالعاصمة أنقرة، وصارت أفكار التوريث التي لم تعرفها تونس في عهدها الجمهوري، تسيطر على المؤسسين للحزب الحاكم.

وبمثل هذا، زاد انفراط عقد الحزب، فخرج منه من خرج، وانشق من انشق، واستقال من استقال ثم عاد إلى البيت والطاعة، وتسربت أسرار الحزب، واتهمت النهضة بأنها شقت الحزب، (وهي تهمة غير وجيهة في اللعبة السياسية حيث من حق وواجب أي حزب أن يفتت الحزب العدو أو المنافس)، واختل التوازن في البرلمان الذي اتهم بعض أعضائه بأنهم جاهزون للمفاوضات على بيع أصواتهم أو الغياب في القرارات والتشريعات الحاسمة، وصارت محاولة محسن مرزوق في بناء حزب "المشروع " نوعاً من الحلّ بالنسبة لمن رأى أنه لا يمكن العمل ضد مشروع النهضة تحت راية ابن السيد الرئيس الذي بات متغلغلاً في مفاصل الحزب.

10-
هل تبقى النهضة حزباً قوياً ومنظماً بعد أن صار حزب "نداء تونس" ممزقاً والبلاد التونسية مقبلة على انتخابات بلدية حاسمة؟ وهل إن نداء تونس، رغم كل ما هو عليه الآن من تشتت مجرد فكرة حزب للتوازن ضد الإخوان؟ وهل الإخوان يتمسْكَنون، ويهيئون أنفسهم سراً وجهراً، ويتحولون ولكن في ثبات على مبدأ الاخوان، وكلهم على مرأى ومسمع من المجتمع ومن كل الاحزاب، به القبض على زمام السلطة في حرب البلديات القادمة، وما يستتبعه من فرض نمط حياة جديدة وغامضة النتائج والتحالفات؟ ويبقى نداء تونس فكرة لحزب التوازن، ولنخبة بلا حضور، وبلا فاعلية ولا سيادة على أرض الواقع السياسي، وأما النخلة في شعار نداء تونس، فسوف تظل تشير إلى الحلم لا بالانتصار على الإخوان المسلمين، ولكن لِطَيِّ صفحة الحزب الغول.