احتجاج ضد اعتقال صحافيين أتراك.(أرشيف)
احتجاج ضد اعتقال صحافيين أتراك.(أرشيف)
الثلاثاء 4 أبريل 2017 / 12:32

أردوغان يقسم تركيا على نفسها...

رأى سونار ساغابتاي، زميل بارز لدى معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة"، أن الرئيس التركي اتبع سابقاً استراتيجية شيطنة خصومه، وحقق ما أراده. ولكن اليوم يبدو أن تلك الاستراتيجية ستنتهي بتمزيق بلده وتقويض مؤسساتها.

أدى انخراط تركيا في الحرب الأهلية السورية لتداعيات غير متوقعة في الداخل التركي، باتت تقوض قدرة البلاد على التصدي للاستقطاب الاجتماعي

وكتب الباحث في مجلة ذا أتلانتيك، أنه منذ عام 2003، عمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على إفساح المجال لصعود زعماء محافظين قوميين أتراك معادين لطبقة النخبة. وطوال تلك الفترة، لعب دور السياسي المستضعف، حاصلاً على الدعم عبر شيطنة من يعارضونه. وقبل بضعة أسابيع من إجراء استفتاء على تعديلات دستورية ستؤدي، إن تمت، لتقوية قبضته على البلاد، مضى في تطبيق استراتيجيته على مستوى العالم، مهاجماً عدداً من زعماء أوروبا وواصفاً إياهم بأنهم "نازيون".

مقامرة
وقد تبدو تلك الاستراتيجية بمثابة مقامرة منطقية من وجهة نظر أردوغان، وخاصة أنها حققت له نجاحاً في الماضي. فقد عزز شعبيته عبر استهداف مجموعة من الخصوم المحليين ووصفهم بأنهم "أعداء الشعب". ولكن ذلك أدى أيضاً لاستقطاب في مجتمعه لدرجة أنه حتى الأجهزة الأمنية، الحصن التقليدي للوحدة التركية، قد استقطبت وضعفت في وقت يواجه فيه البلد عنفاً على عدة جبهات، إلى جانب تردي علاقات تركيا مع أوروبا. ووسط حملة مثيرة للجدل لاستفتاء يوم 16 إبريل( نيسان)، تستغل تنظيمات إرهابية تمتد من حزب العمال الكردستاني( بي كي كي)، وصولاً إلى داعش تلك الانقسامات، لتأليب الأتراك على بعضهم الأخر.

انقسامات
ويلفت الكاتب إلى نتائج دراسات تهدف لقياس مستوى التأييد لاستفتاء أردوغان، إلى أن تركيا تشهد انقساماً حاداً بين فصائل مؤيدة لأردوغان وأخرى مناهضة، وحيث يعتقد الفصيل الأول، وهم محافظون يمينيون، بأن تركيا جنة. وأما الفريق الثاني، مجموعة من اليساريين والعلمانيين والليبراليين والعلويين والأكراد، فهو على يقين بأنهم يعيشون في جهنم.

ويشير ساغابتاي إلى تمكن أجهزة الأمن والجيش والشرطة التركية، على مدار سنين، لتأمين تركيا والإبحار وسط انقسامات سياسية في البلاد، بداية فيما يشبه حروباً أهلية في شكل صدامات في الشوارع، وتأليب اليسار على اليمين في سبعينيات القرن الماضي، ولاحقاً في مقاومة تمرد كردي وهجمات إرهابية، نفذها بي كي كي في التسعينيات.

حماية
ولكن، برأي الكاتب، وبغض النظر عن أساليبهم غير الليبرالية والوحشية، ومنها تنفيذ انقلابات عدة، وعمليات قمع، حافظ الجيش والشرطة التركية على وحدة البلاد. ولكن كل ذلك تغير منذ أجرى أردوغان، في الصيف الأخير، حملة تطهير غير مسبوقة في أجهزة الأمن التركية.

وبحسب ساغابتاي، أدى انخراط تركيا في الحرب الأهلية السورية لتداعيات غير متوقعة في الداخل التركي، باتت تقوض قدرة البلاد على التصدي للاستقطاب الاجتماعي. فقد سعت أنقرة منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011، لخلع الأسد. وبعد إرسالها قوات إلى شمال سوريا في أغسطس(آب) 2016، نفذت تركيا أيضاً عمليات عسكرية ضد داعش وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

كراهية
وتبعاً له، باتت أنقرة اليوم مكروهة من جميع الأطراف الرئيسية في الحرب السورية، الأسد وداعش والأكراد. وباعتقاد الكاتب، أن سوريا ستواصل معاقبة أتراك بسبب سلوكيات حكومتهم. وقد اتهمت تركيا نظام الأسد بتنفيذ سلسلة من التفجيرات في 2013، في بلدة الريحانية الموازية للحدود التركية الجنوبية مع سوريا، حيث قتل 51 شخصاً، رغم نفي الحكومة السورية تورطها في تلك الجرائم.

استهداف أجانب
وعبر استهداف داعش لسياح أجانب ولعناصر من الكتلة المعارضة لأردوغان، يبدو أن التنظيم يوجه رسالة للقوميين من أنصار أردوغان مفادها أن الجهاديين لا يشكلون خطراً عليهم، وأنهم يركزون على "تطهير البلاد من نفوذ غربي" تعتبره أيضاً الحكومة الإسلامية في أنقرة خطراً عليها. ولكن، مع مواصلة داعش استهداف عناصر معارضة لأردوغان، سيعمد بي كي كي وفروعه للرد بالمثل. وبالفعل نفذ متشددون أكراد هجمات فتاكة ضد أفراد من الشرطة والجيش التركي.

بي كي كي
ويوجه هؤلاء بدورهم رسالة إلى الكتلة المعارضة لأردوغان، أنه مع تشديد الزعيم التركي قبضته على السلطة، فإن بي كي كي، هو أملهم الوحيد ضد "قوات أردوغان".
ويرى الكاتب أن تركيا باتت اليوم بلد منقسم على نفسه. وإذا تحولت هجمات إرهابية واستقطاب اجتماعي وعنف إلى حرب أهلية، فلن تجد تركيا من ينقذها من نفسها.