الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.(أرشيف)
الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.(أرشيف)
الثلاثاء 4 أبريل 2017 / 20:06

حياة الحبيب بورقيبة خارج القبر

من غير المستبعد أن يبني حزب النهضة مسجداً يحمل اسم بورقيبة، كما انه من المتوقع أن يؤكد راشد الغنوشي أن الحبيب بورقيبة كان رئيساً مسلماً ورجلاً من رجال الإصلاح الديني

1-
عند الترشح لرئاسة الجمهورية التونسية، أواخر 2013، انتفى عامل السن وكفّ عن أن يكون حاجزاً حائلاً دون الترشح للرئاسة، وصار كل رئيس محصناَ ضد السقوط بفعل السنّ، وهذا ما جعل السيد الباجي قايد السبسي ( مواليد 1926 ) مترشحاً فاز بالرئاسة سنة 2014، وها هو اليوم مع مطالع 2017 لا يخفي طموحه للترشح لفترة رئاسية ثانية تمتد من سنة 2019 الى أن يبلغ عامه ال98 ربيعاً في نهاية المدة سنة 2024 فيكون بحساب الإعمار قد تجاوز عمر الحبيب بورقيبة ( 1903-2000 ) بربيع واحد.

2-
عام 1971، في مؤتمر الحزب الحاكم ، كانت مجموعة قليلة العدد من رجال الحزب التونسي الحاكم ( بقيادة أحمد المستيري) ترى أن بورقيبة قد شاخ، وأنهى مهمته التاريخية الكبرى في بناء الدولة الحديثة، وتحديث أساليب العمل في ادارة الدولة، وبالقضاء على جيوب الجهل وتعميم إجبارية التعليم، وتدريب المرأة على دخول معترك الحياة مع الرجل، دون الزج بها في دور ضيق ووحيد هو إنتاج النسل. وفي 1974، كان الحدث السياسي الأبرز هو: قرار موتمر الحزب: "بورقيبة رئيساً مدى الحياة".

3-
في السادس من أبريل (نيسان) 2017، يطل الزعيم الحبيب بورقيبة من قبره، من جديد، بعد أن قضى في قبرة 17 عاماً، كان خلالها ممنوعاً في عهد الرئيس زين العابدين بن علي من استقبال من يريد من الزوار، ومن الذهاب الى حيث يريد، وكان بحق في سجن حقيقي لان بن علي كان يخاف من شعبية بورقيبة وهو في محبسه، وبدعوى الخوف عليه من الناس، حتى إن بن علي لم يوفر جنازة تاريخية لائقة بالحبيب بورقيبة، ولم تنقل وسائل الإعلام مراسم جنازته التي حضرها عدد غير مرغوب فيهم من الشخصيات التي أبتْ إلا أن تحضر هذه الجنازة وقد شاءت الاقدار أن تكون محاطة بغلاف سري للغاية، والدواعي عند بن علي هي دواع أمنية .

4-
كان زين العابدين خائفاً من الرئيس بورقيبة، رغم أنه بات سجيناً مقعداً، وكان كثير من الناس محرومين من زيارته والحديث إليه، وهذا ما أوحى إلى الفنان المسرحي محمد رجاء فرحات حتى يكتب نصه المسرحي عن الزعيم بورقيبة، وهو يستعيد سيرته في لقطات لافتة. وبدا هذا الفنان قادراً على محاكاة بورقيبة في الحركة، ونبرة الصوت وهي محاكاة تقترب كثيراً من المماهاة الناضجة.

وكذلك الشأن مع أحمد اللغماني الشاعر التونسي الوفيّ للزعيم بورقيبة، وهو الذي كتب الكثير من القصائد البورقيبية، وأخرجها في ديوان سماه "سي الحبيب" صدر سنة 1987 ، وفي السنة نفسها سحب من الأسواق بعد أن سحب بن علي بورقيبة من القصر إلى عوالم الحجب والنسيان في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 .

إن عملاً مسرحياً من محمد رجاء فرحات عن الزعيم بورقيبة، وقصائد أحمد اللغماني الشعرية، وغيرها مما لم يظهر على السطح كانت شكلاً من أشكال إدامة الحياة وإطالة عمر بورقيبة هذا الذي أقيمت الضجة حوله، في حياته، ولكن، وفي سياق تاريخي آخر، عام 1974 عندما نادى أحدهم في مؤتمر الحزب الحاكم، بمناشدة الحبيب بورقيبة التكرم والبقاء "رئيساً مدى الحياة"، تم قبول الاقتراح بمشاعر مختلطة من البهجة والانشراح والغضب والاحتجاج .
5-

لقد مثلت كلمة "بورقيبة زعيماً مدى الحياة" قبل 43 عاماً شكلاً من أشكال إعدام الحياة الديمقراطية التي تأتي بالرئيس من صندوق الانتخابات، فمن أحشاء المؤتمر الحاكم يطّلع الرئيس الذي لا مجال لتغييره، كما مثلت "مدى الحياة" تعبيراً مجازياً ساخراً ومريراً عن إعدام الحياة السياسية وإجهاض طموح الآخرين من التونسيين في التنافس والتداول على الرياسة.

6-
كان حب التونسيين لبورقيبة محتشماً أيام حكم الرئيس بن علي، الذي يستشعر ضآلة حجمه وخفة وزنه كلما استدعى المقام مقارنة بينه وبين بورقيبة، ولكن التونسيين انطلقوا في البوح العلني بحب الزعيم، بعد أيام قليلة من هروب / تهريب الرئيس بن علي، وهيمنة ظهور الإخوان المسلمين من المهاجر والمخابئ والدهاليز إلى السطوح الاعلامية والسياسية.

7-
لقد صار قسم من التونسيين يَرَوْن في بورقيبة أيقونة لا للسلطة والدكتاتورية بل للحرية والنور، وشكلاً من أشكال الخلاص من الفكر العقائدي، وأرادوا أن يستعيدوه وكأنهم يحنون إلى عهد كانت فيه جهود الناس واضحة وصادقة من أجل بناء دولة وطنية ينعم فيها المواطن باسمه كمواطن، ويحفل بما كان يسمى في تونس ب "فرحة الحياة " .

8-
لقد صار السادس من الشهر الرابع ذكرى رحيل بورقيبة يومًا تتسهّد فيه مضاجعُ الأحزاب السياسية، من أجل الاحتفال بالزعيم بورقيبة، والتقرب إليه، فكل حزب بات يدعي وصلاً بفكر الرجل، بدءاً من حزب نداء تونس ومؤسسه الاول الباجي قايد السبسي الى عديد الأحزاب الاخرى المتماطرة.

9-
ومن غير المستبعد أن يبني حزب النهضة مسجداً يحمل اسم بورقيبة، كما انه من المتوقع أن يؤكد راشد الغنوشي أن الحبيب بورقيبة كان رئيساً مسلماً ورجلاً من رجال الإصلاح الديني. وقد يؤكد بعض الذين حلموا بأنهم في الجنة، قد شاهدوا الحبيب بورقيبة، في النعيم المقيم. ومن غير المستبعد ان يعلن زعيم الاخوان المسلمين راشد الغنوشي نفسه أنه، من باب التقيَّة، يواصل الترحم وحده، دون قواعده، على بورقيبة .
ومن غير المستغرب أن يواصل راشد الغنوشي التماني في الانخراط مع بورقيبة ولا يستبعد أن يقوم بعمليات تجميل حتى يصبح شبيهاً متماهياً في شكله مع الحبيب بورقيبة. اذا كان الشعب التونسي يريد بورقيبة رئيساً مدى الحياة.