مقاتلون من داعش في سوريا.(أرشيف)
مقاتلون من داعش في سوريا.(أرشيف)
الأربعاء 5 أبريل 2017 / 19:46

الإرهاب... أزمة تدين لا أزمة دين

هناك محطات حافلة بالإنجاز الحضاري في تاريخنا الإسلامي انقطعت حبال التواصل معها.

التديُّن المعتدل الذى يمنَح صاحبَه التواصل مع الإشراقات الربانية الخيرة، والذى يعلي من قيمة الرحمة ومعاني الإنسانية والتعارف، هو التدين الذي كان يُغرَس في أيامنا والذى نشأنا عليه دون تكلف، وكان فيه الإخلاص والإقناع والنية والسريرة الطيبة، ومراعاة العلم وحفظه بالعمل، والفهم السليم للقرآن الكريم والسنّة النبويّة بما يتعارف عليه الناس، وما يؤدى إلى تنميةِ المجتمع وتقويةِ أواصره.

التدين في هذا العصر -لا الإسلام - وطرائقه المتشددة، لا بد من مراجعة بداياته وتجلياته على المشهد الإسلامي، لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، والسؤال: هل بالإمكان أن نرتقي بمفهوم هذا التدين المعاصر-المتطرف- في صنع حضارة عالمية، وتأسيس أخوة بشـرية، وتعاون إنساني ينسج على منوال السماحة والتعارف والحوار والاعتراف بالآخر؟ إذن كيف نجعل من تديننا مصدر إلهام لمستقبل مشرق؟!

أضحى تديننا سجين أفكار التحريم والتعصب أو بمعنى آخر لغة التعبير للتدين هي الكراهية والعنف وسفك الدماء وعدم تقبل الاختلاف والتنوع يصبح الأمر-قطعاً- هاجسًا مؤرقًا و ثمنًا باهظًا تدفعه الشعوب الإسلامية والعالمية، حيث يتم فيه تأجيج العقول وتكبيلها بمفاهيم وأفكار لاتتفق مع حركة الحياة وانسجامها الجميل، ولا تتفق مع الفطرة السليمة والحنيفية السمحة.

الإرهاب ليس أزمة دين بل أزمة تدين، يكرس للقضاء على سماحة ديننا الحنيف، والتساهل في التكفير واستباحة الدماء البريئة، وكأن هذا التدين يمثل هوية جامعة للإسلام، مع أنّه عامل تشويه وتقزيم لهوية الإسلام الصحيح وتهميش مكانته، لاسيما أنّ هذا التدين الغير سمح مازال يهدر من قيمنا ويستنزف قدراتنا، ويحدّ من الحرية، ويحبس رغباتنا الكامنة بكل المحرمات.

طريقة التدين الزائفة، رهينة- في الغالب- لتوجهات سياسية وحزبية لجماعات تحاول حثيثاً بعث فتن التاريخ من مرقدها، وإعادة مفردات في ثقافتنا الدعوية وكأننا في البعثة الأولى من الدعوة "كافر" "مشرك " "وثني" "جاهليَّة"، كلها أمور حسمت وفصلت وتعامل معها الدين بوضوح، ناهيك عن إشعال القضايا الخلافية والفقهية الشائكة، أكثر من تناولهم الاهتمامات التي يطرحها السياق الحضاري الراهن حول مرحلة التفكير في المستقبل أو كيفيّة المُضِيّ إِلَى الأَمَام ، والتفوق الاقتصادي، والتنمية المستدامة، والانفتاح على الثقافات، ومواكبة النهضة والنمو، والحوار مع الآخر .. إلخ. نحن نبحث عن التدين الذى يراد له أن يكون مليئًا بحركة الحياة ومفعمًا بالحيوية، لكي نبدد عوارض المرض والوهن الحاصلين في أمّتنا.

دور الدعاة والمصلحين والمثقفين هو إعادة صياغة "الإسلام العربي" على وجه التحديد، لأنه الوحيد الذي يعاني من ضمور في قيم التسامح والتعايش. لا يغيب من أذهاننا أنّ كل إرهاب أو تشدد بالضرورة يتلون ببيئته المحلية ومناخه الخاص به، والإشكالية الخطيرة حينما يصبح المتدين العربي اللصيق بالتاريخ في حالة تماس مع الموروث حيث يستعيد حلول الماضي لحل الإشكاليات العصرية الراهنة، حيث يكمن التركيز المفرط على قضايا أخلاقية وخلافية وتاريخية أكثر من تناول الإشكالات والقضايا التي يطرحها السياق العالمي الراهن من التطور والتقدم العصري والوحدة الوطنية والتأثير في الحاضر.

لقد سئمنا من خطب الدعاة عن انحطاط وتَقهْقر المسلمين وتراجعهم، ما عزز في الأمة الخيبة والاستسلام والانهزامية، ومن جهة أخرى حرّض الجماعات التي لديها الاستعداد للتطرف لكى تعلن حالة النفير من هذا الواقع البائس والمحيط، وتتكبد الأمة الآن حصاد ما زرعناه.

هناك محطات حافلة بالإنجاز الحضاري في تاريخنا الإسلامي انقطعت حبال التواصل معها. كان حبيبنا- صلى الله عليه وسلم- في أعلى وأفضل مراتب التديُّن الصحيح، فلم تكن حياته- صلى الله عليه وسلم- تتسم بالغلوّ أو الرهبانية والتنطع في الدين، بل حارب أدعياءها من اليهود والنصارى الذين كانوا سببًا مباشراً في نشوئها، واتسم تدينهم بها، وجعل الله النسخة الصحيحة للدين وللتدين هي الإسلام بكل تعاليمه المعتدلة، لتتكامل فيه شروط الحياة الضرورية والآمنة، فقد اتسم ديننا الإسلامي بالوسطية، لنكون -شهداء على الناس- من خلال الخلافة للإنسان في الأرض، وإقامة العدل ورفع الظلم والنهوض بالعمران من منطلق الآية (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) جعلكم عُمّارها و سُكاّنها، وهو خطاب إلى العالم الإنساني.
إذن نحن أمامَ أوطان وأجيال حديثة يتطلّب الحال تقويةَ صلتِها بالإسلام و استغلال رحابته، ليتماشى مع المراحل والحقب كلّها، لنضمنَ لأوطاننا القوة والبقاء، وللمجتمع سلامًا وأمانًا.