الأربعاء 19 أبريل 2017 / 18:11

أردوغان بين الخلافة وأوروبا والصحافة

1-
إنّ "تركيا هي أكبر سجنٍ للصحافيين في العالم"، هذا ما في خلاصة التقرير السنوي (2016) لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، كما أطلق الكاتب التركي "تيري بريات" Tieri Beriet نداء عاجلاً من أجل اليقظة أمام الحالة التي عليها أهل الفكر والرأي والثقافة والفنون في تركيا.
  
2-
استفتاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحويل النظام البرلماني إلى رئاسي، أفضى إلى انتصار نصفيٍّ، فأكثر من نصف الناخبين بقليل صوت لصالح أردوغان، وأقل من النصف الآخر رفض هذا التحوير، بل وكان ضده، وهو يعي بأنّ أردوغان يريد أن يكون طليقَ اليد واللسان حتى لن يعطله صوت، أو يعوقه برلمان..
والذين رفضوا أن يمنحوا كل السلطة لأردوغان كانوا خائفين من برنامج الرجل في التوسع السلطوي، تركياً وإقليمياً، وهم يعرفون أن الرئيس إذا كثرت صلاحياته، يغدو أطرش وأعمى، فإن سمع فهو لا يعِي، وإن نظر فهو لا يرى.

3-
حرّض أردوغان على القيام بهذا الاستفتاء في مناخ أمني فرضته ظروف "نجاة من محاولة انقلابية فاشلة" يوم 15 يوليو(تموز) 2016
واتُهم مدبروهما بأن رأسهم هو التركي غولن حليف أردوغان السابق.
لم تكن الأصوات في القرى النائية، كما هو حال الأصوات في المدن الكبرى التي كان تصويتها ضعيفاً لأردوغان، فهل لا بد إذن من رئيس قوي وذي سلطات ويد عليا تهبط على الجميع ولا تبقي ولا تذر إلا ما تراه "صالحاً  للشعب"؟

4-
فهم أردوغان بحسّه السلطويّ، أن بعرةَ هذا الانقلاب تدلّ على بعير يتولى التفكير والتدبير، وأحس أن هذه الحركة الانقلابية  ليست مجرد احتجاج عابر، فلا يجب أن تكون حركة عسكرية معزولة، ولا بد أن وراءها أنصار وأفكار، وهي أيضاً  حركة ثقافية مسنودة صحافياً وفكرياً وتنظيمياً ودولياً ، ولا مناص من تعقب عناصرها العميلة والفاعلة أو المشتبه في أن تكون فاعلة، وهذا ما حصل في أرجاء تركيا من حركة حبس ومطاردة ومحاكمة وتعذيب وتحقيق مع الأصوات الفكرية والأقلام الصحفية والمُهَج الفنية والإبداعية التي استعصت وأبت  أن تكون ضمن القطيع الناخب في الشارع، أو في البرلمان.
لا بد من طريق سيارة تليق بالقصر الرئاسي الجديد ليجعل من أردوغان الحاكم الآمر الناهي ورئيس الجمهورية التركية والخليفة الإسلامي النائم في الحلم العثماني واليد الطولى والسلطة الأولى.
ولا طريق أقل اعوجاجًا وأقل وَجَعًا للرؤوس من كفّ الرئيس التي تعتصر الأصوات كلها في قلمه الذي يحتوي قطرة توقيع الرجل الأوحد.
   
5-
ولا شك أن الأخوان المسلمين سيسعدون بنصف النصر هذا، ويسعون إلى الفرح به على طريقتهم وخواطرهم تردد أغنية مطلعها (أنت السابق وأنا اللاحق) فالتجربة التركية هي نموذج النجاح في عيون الأخوان في تونس، ومصر، ولقد سعى أردوغان، بكل السبل إلى تأكيد تضامنه مع اخوانيته في البلدين، وتبقى شعبية أردوغان في تونس سيئة النتائج والذكر، فهي لا تتجاوز حسن استقبال الشباب التونسي من الفتيان والفتيات إلى مواطن الانتحار لإرساء الخلافة باسم الجهاد، وباسم جهاد النكاح!
 
6-
لقد اجتهد أردوغان، وجاهد عبر أكثر من خطبة، وهو يجوب تركيا عرضاً وطولاً، من أجل أن يجعل الشعب التركي وطبقاته الريفية النائية تحلم بتركيا القوية، وما تركيا غير أردوغان شخصياً، والحال أن هذه البلاد تعاني مثل باقي بلدان العالم المتخلف والتي أبسطها إسكات الصوت المعارض، فضلاً عن مشاكل فقر وبطالة وسوء توزيع للفرص، وفساد الطبقة السياسية الحاكمة وحرمان وإقصاء وتهميش الأكراد والأرمن وغيرهما من القوميات والأقليات، وتضييق فرص العيش على من لم يكن من حزب أردوغان.
   
7-
لقد استهدفت حملة اردوغان 2016 الصحفيين والمثقفين ورجال الجامعة والمؤثرين والشعراء والمحامين، والكتاب ودفع الكثيرون ثمنها الغالي،
وتسببت في اعتقال أكثر من 160 صحافياً وكاتباً وفناناً وناشطاً سياسياً، وناشراً ومترجماً ( من بينهم ابن الكاتب الساخر الكبير عزيز نسين ) وهذا الرقم مرشح للزيادة، ففي زمن الاستفتاء ( 2017 ) كان يوجد أكثر من 160 صحفياً محبوساً في تركيا، كما جاء في نداء تيري بريات حول الحريات الصحفية. الذي أشار أيضا الى إضرابات جوع، وحالات تعذيب في السجون.

8-
إن قائمة الكتاب والصحافيين والجامعيين والشعراء من النساء والرجال لن تبيض سمعة تركيا الأردوغانية للدخول الى الاتحاد  الاوروبي المعروف بحرصه النظري الليبرالي في التعامل مع المعارضة، وخاصة في مادة حرية التعبير، ولقد سبق لأردوغان أن اتهم ألمانيا باستخدام أساليب النازية، وسخر من الجبنة الهولندية، فهل إقدامه في الاستفتاء القادم للتصويت على الدخول إلى الاتحاد الأوروبي سوف يربك أوروبا، وهل قرار دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يقرره الشعب التركي بقيادة أردوغان أم أن أهل الاتحاد الأوروبي أدرى بشعابهم؟
لقد قام أردوغان بما رَآه واجباً ، حين حرّض الأتراك المقيمين في أوروبا على أن لا يكتفوا بثلاثة أولاد، وأمرهم "أنجبوا خمسة"،
فهل بالقنبلة الديموغرافية تغزو تركيا القارة الأوروبية؟