الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون.(أرشيف)
الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون.(أرشيف)
الإثنين 8 مايو 2017 / 19:46

أمّا وقد حصلت الانتخابات الفرنسيّة..

إذا فاجأنا الحزب الجديد "إلى الأمام" بانتصارات انتخابيّة يصعب توقّعها من الآن، أمكن للرئيس أن يبدّد الكثير من المصاعب التي تنتظره

يوم الأحد الماضي اقترعت فرنسا. كان الحدث فرنسيّاً وأوروبيّاً وعالميّاً في وقت واحد. الاقتراع كان نصراً كبيراً مقابل هزيمة كبيرة، لكنّ التحدّيات التي ستواجه رئيس الجمهوريّة الجديد إيمانويل ماكرون ستكون ضخمة، بل ضخمة جدّاً.

الانتصار كبير، على رغم حملة التهكير التي يُرجّح أن تكون روسيا وراءها، والتي داهمت الانتخابات قبيل إجرائها. انتصرت الديمقراطيّة – الليبراليّة، ولو من دون أحزابها التقليديّة – على الشعبويّة. انتصرت أوروبا والارتباط بها على القوميّة. انتصر الانفتاح وقيم التسامح على الانغلاق والشوفينيّة. انتصر الأمل بالمستقبل على الخوف والتثبّت عند الماضي. انتصر النموذج الألمانيّ – الأوروبيّ لأنغيلا ميركل على النموذج الأمريكيّ لدونالد ترامب.

لكنّ التحدّيات تبدأ من أنّ فرنسا تواجه معضلتين قد يتضارب علاج كلّ منهما: من جهة، أزمة اقتصاديّة تتصدّرها أزمة بطالة (10 في المئة)، لا سيّما بين الشبيبة، وبالأخصّ شبيبة الاحياء الفقيرة وغيتوات المدن. هذا ما يستلزم إنفاقاً رسميّاً يتأدّى عنه توفير فرص عمل جديدة. من جهة أخرى، تخلّف تقنيّ وتردٍّ في إنتاجيّة الاقتصاد الفرنسيّ. هذا، بدوره، ما يستدعي إغراء للاستثمارات، الفرنسيّة وغير الفرنسيّة، لا بدّ أن يكون ثمنها بعض التقديمات والمنافع التي تحظى بها، حاليّاً وتقليديّاً، القوّة العاملة الفرنسيّة.
إيمانويل ماكرون أوحى في برنامجه بأنّه سيتمكّن من التغلّب على المشكلة. هذا يتطلّب شيئاً من الانتظار والمراقبة الدقيقة.

في هذه الغضون، نسبة الامتناع عن التصويت يوم الأحد الماضي كانت كبيرة، كذلك فمن أصل من أيّدوا ماكرون، هناك نسبة عالية ممّن صوّتوا له خوفاً من نجاح زعيمة "الجبهة الوطنيّة" مارين لوبان، وليس حبّاً به وببرنامجه.

ما يعنيه هذا أنّ التفاؤل بحصول ماكرون على ما يفوق الـ 65 في المئة من المصوّتين قد يكون مضلّلاً. وراء هذه الواجهة، تتبدّى شعبيّته الفعليّة على قدر من التواضع. فإذا أضفنا جدّة الرجل في السياسة، وجدّة حزبه الوسطيّ الذي أسّسه قبل عام، "إلى الأمام"، نخلص إلى أنّ الانتخابات النيابيّة المقبلة قد لا تعطي الرئيس الجديد تلك الكتلة النيابيّة التي يحتاجها لمواجهة تحدّياته الضخمة. ومن الآن يتّضح أنّ أقصى اليمين، بقيادة لوبان أو بقيادة سواها، وباسم "الجبهة الوطنيّة" أو باسم تنظيميٍّ آخر، يتهيّأ لمواجهات سياسيّة ونيابيّة لا نهاية لها مع ماكرون. ولا بأس، هنا، بالتذكير بأنّ لوبن ضاعفت النسبة التي نالها والدها في الدورة الثانية من انتخابات 2002، وأنّ أقصى اليمين صار معطى طبيعيّاً في الحياة السياسيّة الفرنسيّة. الشيء نفسه يمكن قوله عن أقصى اليسار الذي التفّ في الدورة الانتخابيّة الأولى حول جان لوك ميلونشون، واعتبر بعض المعبّرين عنه أنّ لوبان وماكرون يتساويان في الرداءة والسوء.

فإذا فاجأنا الحزب الجديد "إلى الأمام" بانتصارات انتخابيّة يصعب توقّعها من الآن، أمكن للرئيس أن يبدّد الكثير من المصاعب التي تنتظره. لكنّ نتيجة كهذه تتطلّب بالضرورة استقطاب كتل وازنة من اليمين واليسار الوسطيّين، أي من الحزبين المتداعيين "الجمهوريّ" و"الاشتراكيّ"، إمّا بامتصاصها داخل "إلى الأمام" أو بإنشاء تحالف صلب معها.

هل هذا ممكن؟ وفي حال قيامه، ما الضمانة بأن لا ينشأ، داخل كتلة الوسط العريض هذا، تنافر سياسيّ وإيديولوجيّ يحول دون أيّ انسجام، ويشلّ، تالياً، أيّة فعاليّة للعهد الجديد؟

في انتظار الإجابات، يمكن القول إنّ أسئلة فرنسا صعبة جدّاً.