تفجير احتفال مانشستر في بريطانيا (أرشيف)
تفجير احتفال مانشستر في بريطانيا (أرشيف)
الأربعاء 24 مايو 2017 / 09:06

فاجعة في مانشستر

مفتاح شعيب - الخليج

عاد تنظيم "داعش" الإرهابي لممارسة جرائمه المروعة ضد الإنسانية وفعلها مرة أخرى، بأن فجع بريطانيا بالعشرات من أطفالها وشبابها بتفجير رهيب استهدف حفلاً موسيقياً كانت تحييه مغنية أمريكية، فتحولت البهجة إلى مأتم، والاطمئنان إلى خوف مطبق، ليعيش البريطانيون كوابيس الاعتداءات على قطارات لندن عام 2005، وهي الاعتداءات التي ساهمت في تغيير الكثير من السياسات، وفرضت حلولاً أمنية وحمائية لم تكن قبل ذلك في الحسبان.

فعلها "داعش" وتوعد بالمزيد، في الوقت الذي تتوالى فيه الوقائع مؤكدة أن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة في سوريا والعراق، وهو ما يدفعه إلى الانتقام، وانتقاء أكثر النقاط إيلاماً وفظاعة، وهذا ما قد يفسر اختيار ضحاياه من الأطفال في فاجعة مانشتسر، وهذا ما يدفع أيضاً إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر خشية الغدر المتوقع في أي لحظة، وفي أي بلد. فقبل هذه الواقعة كانت السلطات البريطانية أعربت عن خشيتها من أنها عرضة لتهديد إرهابي، وبعد أن حدثت الجريمة، قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إن الشرطة تعتقد أنها تعرف هوية المنفذ، وهو ما يعني أن إحساس أجهزة الأمن والاستخبارات باقتراب حدوث عمل إجرامي أمر مفروغ منه، ولكن المشكلة تتمثل في عدم القدرة على تحديد الخطر، أو مواجهته، وإحباطه. ويعيد هذا التوصيف التذكير بأن الجماعات الإرهابية أصبحت تكيف مخططاتها وتحركاتها مع الاحتياطات والإجراءات التي تعمل على مواجهة كل النشاطات المريبة. ومن هذا المدخل ربما استطاع "داعش" أن ينفذ جريمته الجبانة في شمالي بريطانيا، متخطياً استنفاراً أمنياً كبيراً بدأ منذ اعتداء الدهس أمام البرلمان في لندن الشهر الماضي.

الحادث الإرهابي الذي أدانه العالم متضامناً مع الضحايا وأسرهم، كان يمكن أن يكون أشنع لو تم داخل القاعة المغلقة الأكبر في أوروبا، التي تستوعب 21 ألف شخص. ومن حسن الحظ أن أداة الجريمة كانت قنبلة انفجرت في بهو القاعة وليس في قلبها، وهو ما جعل الحصيلة لا تتجاوز 22 قتيلاً، وقرابة 60 جريحاً. ومع ذلك يظل الألم حاراً، لأن الضحايا كلهم أطفال من طلاب المدارس ممن يحلمون بحياة أجمل، وسعادة غامرة مع أولى نسمات الصيف البريطاني. كأن العمل الإرهابي كان مقصوداً وأراد عن سابق إصرار أن يحرق تلك البهجة على وجوه الأبرياء، ويبث الريبة في قلوب المجتمعات المنفتحة، ويبني الحواجز أمام قيم التعاون والتعايش التي يفترض أن تسود على الحقد والكراهية.

تفجير احتفال مانشستر، فضلاً عن أنه إرهابي، فهو لعين لأنه سعى إلى إيقاع أكبر قدر من الضحايا الأطفال والشباب لتمتد ردود الفعل لأجيال بعد هذا الجيل. وبهذا المنطق لم يخرج هذا الاعتداء عن أهداف كل الجرائم الإرهابية التي ضربت أوروبا، وغذت ظاهرة العنصرية و«الإسلاموفوبيا». وفي هذا الظرف الصعب يبقى عزاء البريطانيين، ومن تضامن معهم، أن التنظيم الذي يقف وراء هذه المذبحة لا يمثل إلا نفسه، بعدما أصبح جماعة منبوذة دولياً وإنسانياً وملاحقة في كل مكان. وبهذا العمل الجبان يتأكد مرة أخرى أن الإرهاب آفة خطرة مازالت تهدد الأمن العالمي، ورغم الإجراءات والخطوات المتخذة لمكافحتها، فمازال العمل كبيراً لتحقيق الهدف المنشود باجتثاث الإرهاب، وتجفيف منابعه الفكرية والمالية، وصولاً إلى القضاء المبرم عليها من أجل أن يعيش البشر بأمان، وكما يريدون وفق الفطرة الإنسانية.