القيادي في حماس اسماعيل هنية ومندوب قطر في غزة محمد اسماعيل العمادي في غزة.(أرشيف)
القيادي في حماس اسماعيل هنية ومندوب قطر في غزة محمد اسماعيل العمادي في غزة.(أرشيف)
الخميس 1 يونيو 2017 / 20:38

صورة الانقلاب

دخلت "حماس" إلى سلسلة الصور الساردة في التاريخ المعاصر للثورة الفلسطينية، عبر هذا الملثم الذي اقتحم مكتب ياسر عرفات وداس بحذائه العسكري على صورته

 ثمة صورة مؤلمة ارتبطت بذاكرة الفلسطينيين في سياق صور تبدأ من ما قبل النكبة وتتدرج في مفاصل الى الآن فيما يشبه سرداً بصرياً لمحطات الهزيمة والبطولة. صورة ستنضم إلى صور كثيرة مثل خطاب عرفات في الأمم المتحدة(1974)، أو صورة ضحايا صبرا وشاتيلا (1982)، معركة الكرامة (1968)، محمد الدرة، تكسير عظام الفتية في تلال الضفة أثناء الانتفاضة الأولى، فيصل الحسيني مقيداً في طريقه إلى المعتقل، ادوارد سعيد وهو يلقي حجراً عبر السياج الحدودي في جنوب لبنان قرب "بوابة فاطمة"، المجلس الوطني في الجزائر (الصورة التي تجمع عرفات وحبش وحواتمة)، غسان كنفاني منحنياً على مكتبه في مجلة الهدف، ياسر عرفات يتحدث لصحفي مجهول تحت ضوء خفيف أثناء حصاره الأخير في "المقاطعة"، محمود درويش واقفاً امام مكتبه في مركز السكاكيني (ملصق الإعلان عن أمسيته الأخيرة في رام الله)... رتل من السرديات البصرية تنتظم في مسيرة طويلة هي في النهاية فصول الرواية وشخوصها.

الصورة المقصودة بهذه الملاحظة تعود الى 14 يونيو/ حزيران-2007، تاريخ انقلاب حماس واستيلاء جماعة "الإخوان المسلمين" على قطاع غزة الذي ستحتفل حماس بذكراه العاشرة بعد أقل من أسبوعين من اليوم، تحت عنوان "الحسم العسكري".

في استدراك ضروري ل"الحسم العسكري" فقد أدى، حسب إحصائيات ميدانية، إلى قتل حوالي 417 من كوادر ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح جرى إعدام عدد كبير منهم ميدانياً، واصابة حوالي 1770 ثلثهم تعرض لعمليات بتر في الأطراف.

في الصورة، يقف ملثم من مسلحي حماس في مكتب ياسر عرفات بعد اقتحامه أثناء الانقلاب صيف 2007، هيئة المسلح تبدو فتية، شاب عشريني في الغالب، قصير ويميل للامتلاء، مدجج بمخازن رصاص إضافية معلقة في جعبة عسكرية على صدره، لثام المسلح يبدو مرتجلاً ولا يشبه الأقنعة الجاهزة التي يرتديها رفاقه في الصور الأخرى التي التقطت بمباهاة مراهقة مثيرة للحزن على حطام غرفة عمل المؤسس التاريخي للثورة الفلسطينية المعاصرة، ملثمون بملابس سوداء يلتقطون صوراً بين أوراق الزعيم ويتحدثون من هاتفه ويقفون بأحذيتهم على مكتبه، يبدو أنه، اللثام، قد أعد على عجل من أجل الصورة، مركز الصورة هي الحذاء العسكري للملثم التي يدوس فيها على صورة رسمية مؤطرة لياسرعرفات، بالضبط على الزاوية العلوية اليسرى من الصورة بينما يواصل عرفات الابتسام، في عمق المشهد يمكن ملاحظة مقاعد مقلوبة منجدة بقماش مقلم وفوضى خلفها الاقتحام وثمة مسلح آخر، ملثم أيضا بملابس سوداء، يجلس على مقعد تحت لوحة، اتضح بعد تكبيرها انها تضم معالم مختلفة من مدن فلسطينية تتوسطها القدس.

في استكمال راهن لتلك اللقطة وفي نفس السياق، يمكن إضافة الصور الجديدة لرئيس حركة حماس الجديد اسماعيل هنية ومندوب قطر في غزة محمد العمادي، وهما يحفران في أرض مهبط طائرة عرفات، غير بعيد عن الملثم المسلح الذي كان هنا منذ عشر سنوات، يحمل الرجلان مجرفتين جديدتين ويحفران المهبط حيث منحت "حماس" العمادي خمسة دونمات من أرض المنتدى/مقر عرفات ومهبط طائرته المطل على البحر ومقهى الصيادين في غزة ليبني له بيتاً وسفارة.

الرغبة العميقة في تحطيم الصورة أولاً، ومصادرة المكان برمزيته وطاقة حضوره في وجدان الناس، المحاولة "الدؤوبة" لتحطيم الرواية الحقيقية وهدم شخوصها ووقائعها وبناء رواية موازية خاصة ب "الجماعة"، والتوقيت الغريب يصبح هنا أقرب إلى الإهانة، بناء بيت للعمادي وسفارة لقطر على أرض مهبط طائرة عرفات بعد أن مهد القصف الإسرائيلي المتكرر الأرض، يبدو، أيضاً، استفزازاً لكل شيء، وهو ما دفع الى السطح موجة شعبية من الاحتجاجات الغاضبة، لعل أبرزها الرسالة التي بعث بها المحامي "فريح أبو مدين" إلى أمير قطر يطالبه فيها بعدم قبول هدية حماس واختيار مكان آخر لبيت مندوبه، لعل هذه الرسالة ورسائل كثيرة مشابهة تشير إلى مدى الغضب الذي تسببت به رغبة العمادي في السكن في غزة، وبناء منزله على ذاكرة الناس.

هكذا دخلت "حماس" إلى سلسلة الصور الساردة في التاريخ المعاصر للثورة الفلسطينية، عبر هذا الملثم الذي اقتحم مكتب ياسر عرفات وداس بحذائه العسكري على صورته، كان عرفات قد استشهد قبل ثلاث سنوات بعد حصار طويل لمكتبه وغرفة نومه في رام الله، عندما التقطت "حماس" صورة ملثمها "المقاوم" في غزة، والآن عبر ايجاد مأوى لمندوب قطر في "أرض عرفات".

تلك كانت اضافتها الرئيسية.

هذه هي صورة الانقلاب الذي نفذته حماس في غزة، لعلها التعبير الأكثر دقة الذي يمكن من خلاله فهم تلك الحرب الأهلية الصادمة التي أطلقتها جماعة "الاخوان المسلمين" على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى المشروع الوطني الفلسطيني، المتواصل إلى الآن، وأطلقت عليه الاسم المثير للشفقة والسخرية في آن، أقصد "الحسم العسكري".