رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.(أرشيف)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.(أرشيف)
الأربعاء 7 يونيو 2017 / 20:17

لندن ستان وعودة الأيديولوجيا

هل تستطيع تيريزا ماي، في ضوء الصرامة وعدم التساهل، أن تُعلن جماعة الإخوان المسلمين، جماعةً إرهابية؟

شاحنة تدهس عدداً من المشاة على جسر "لندن بريدج" بوسط العاصمة البريطانية، والمُشتبه بهم يطعنون عدداً من الأشخاص في سوق شهيرة مجاورة مساء السبت، 3 يونيو (حزيران). تؤكد تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، أنه لا تأجيل في موعد الانتخابات المبكرة التي دعت لها، وأن الانتخابات ستكون يوم الخميس ، 8 يونيو (حزيران)، في نفس الأسبوع الدامي. الشرطة البريطانية تعلن مقتل 7 أشخاص، وإصابة 48 آخرين جراء حادثتي الدهس والطعن. تنتشر أخبار عن قطع رؤوس، والجهات الرسمية لا تنفي، ولا تؤكد أيضاً. الشرطة تقول إنها قتلتْ المشتبه فيهم بعد 8 دقائق فقط من تلقي بلاغ بوقوع عملية الدهس. 8 دقائق زمن يُناسب يقظة فائقة من رجال الشرطة، لكنه لا يُناسب عدد المصابين، لا سيما وأن هناك مصابين في حالات حرجة. الشرطة تقول إن الإرهاب وراء حادثتي "لندن بريدح"، و"سوق بارا"، وكأنّ المعلومة تحتاج إلى إفصاح وتأكيد وتقرير، أو كأنّ الشرطة بذلتْ مجهوداً كبيراً كي تضع أمامنا حقيقة بعيدة المنال لندرة حدوثها، وهي أن الحادثتين تدخلان في تصنيف العمليات الإرهابية. يلتزم الإعلام البريطاني بعدم نشر صور الضحايا في مواقع حدوثها، مع أن نفس الإعلام في حوادث إرهابية أخرى خارج الأراضي الغربية، لا يراعي حُرْمَة موت الضحايا، وينشر صوراً مؤلمة في مواقع حدوثها، وكأنّ معيار الإنسانية مزدوج.

تصريحات تيريزا ماي كانت صارمة، وبلهجة حادة قالت إن هناك تساهلاً كبيراً في التعامل مع التطرف في بريطانيا. يبدو أن تيريزا ماي لا تعرف اسم لندن الما بعد حداثي في طبعته الشعبية الأخيرة، وهو "لندن ستان"، فالحديث عن التساهل، وكأنها اكتشفتْ شيئاً لا يعرفه أحد، يُظهر ضعفها الشديد، وربما يُظهر أنها لا تجد ما تقوله، ولا تعني أيضاً ما تقوله، فالتساهل مع التطرف الإسلامي، استراتيجية بريطانية قائمة منذ عقود، وتيريزا ماي أقل من أن تتحدى تلك الاستراتيجية. قالتْ ماي أيضاً بأن بريطانيا تواجه تهديداً جديداً يقوم فيه المهاجمون بتقليد بعضهم البعض، وأن الاعتداءات الأخيرة، وإن لم تكن جزءاً من المكيدة نفسها، فإنها متصلة فيما بينها، لأنها نتاج أيديولوجيا التطرف الشريرة نفسها. كان الغرب الما بعد حداثي المعولم قد أعلن كثيراً، أن الأيديولوجيا انتهتْ، ونحن الآن فيما بعد الأيديولوجيا. فجأة وجدتْ تيريزا ماي أن الأيديولوجيا ما زالتْ تعمل بقوة. إذن العولمة لم تتجاوز العالَم القديم، لم ينته التاريخ بعد، ولم يأت الإنسان الأخير، كما بشرنا المفكر الأمريكي ذو الأصول اليابانية، فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير".

هل تستطيع تيريزا ماي، في ضوء الصرامة وعدم التساهل، أن تُعلن جماعة الإخوان المسلمين، جماعةً إرهابية؟ بالطبع لا تستطيع، أو سيكون الرد منعاً من الإحراج كما حدث مع رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، وهو أن تطلب تيريزا ماي من جهاز الاستخبارات البريطاني، تقريراً مفصلاً عن جماعة الإخوان، والتقرير سيأتي بعد شهور، كما حدث مع كاميرون، بأن الاستخبارات البريطانية لم تجد دليلاً على إرهاب الجماعة. بعد يومين من حادث الدهس على جسر "لندن بريدج"، وفي 5 يونيو (حزيران)، تعرَّفتْ الشرطة البريطانية على هوية اثنين من منفذي الهجوم، وكانت الشرطة قد قتلتهما بعد الحادث. واحد منهما، هو خورام بات، 27 سنة، باكستاني المولد، من منطقة باركينغ بلندن، وكان معروفاً للشرطة، ولجهاز الأمن الداخلي "إم آي 5"، لكن لم تكن هناك أية معلومات استخباراتية بشأن تخطيطه لهجوم. هذه العبارة المكررة في أغلب العمليات الإرهابية. كان الأمن يعرف الإرهابي، لكنه لا يملك دليلاً على أن الإرهابي سيقوم بعمل عدائي، وكأنَّ المخابرات البريطانية العريقة، تريد من الإرهابي أن يبلغها قبل العملية الإرهابية، بساعتين على الأقل، عن المكان المستهدف، ونوع السلاح المستخدم، وكمية المتفجرات التي يحملها، حتى تستوثق من صحة المعلومات، ومن مصدرها الرئيسي مباشرةً، وبالتالي تستطيع الحركة. العبثي في الأمر أن خورام بات، ظهر في فيلم وثائقي عن التطرف الإسلامي منذ فترة بقناة 4، وكان ظهوره أثناء جدال مع رجال الشرطة، وكان على صلات بجماعة الداعية المتطرف السجين أنجم تشودري. المسألة أصبحتْ مسألة كوميديا، وتحوَّلتْ صورة شرطي السكوتلاند يارد الجادة إلى صورة الممثل بيتر سيلرز الهزلية في شخصية المفتش السري كلوزو. لتعلم تيريزا ماي أن الأمر في بريطانيا العظمى سابقاً، فاق التساهل، وانحدر إلى الكوميديا، وسينحدر أكثر إلى الانحطاط، وهكذا تأفل نجوم الأمم الكبيرة.