الأربعاء 21 يونيو 2017 / 09:23

دبلوماسية الصفقات القطرية

د. وحيد عبد المجيد - الاتحاد

لن يكون سهلاً فك الارتباط بين قطر ومنظمات إرهابية عدة في حالة إدراك حكام الدوحة أنه ليس أمامهم إلا العودة إلى الحضن الخليجي العربي، ومن ثم العودة عن سياسات تسببت في العزلة المفروضة عليهم الآن. إحدى بديهيات أي اتفاق يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات القطرية العربية أن يضمن فك الارتباط الذي تنامى بين الدوحة ومنظمات إرهابية في السنوات الأخيرة، وليس وقف تمويل بعض هذه المنظمات فقط.

ويتطلب التزام الدوحة بفك هذا الارتباط مراجعة جوهرية لدبلوماسية الصفقات التي اعتمدت عليها لتوسيع مساحات نفوذها في المنطقة، عبر تدخلها للوساطة في أزمات كان أهمها تلك التي نتجت عن أعمال إرهابية هنا وهناك.

وأصبحت دبلوماسية الصفقات هذه أداة رئيسة في سياسة قطر الإقليمية خلال السنوات الست الأخيرة في ظل الاضطراب الذي ضرب المنطقة، إذ أخذ حكام الدوحة الطريق الذي بدا لهم أسهل، وهو التوجه إلى الخارج بحثاً عن نفوذ يضيفونه إلى رصيدهم أياً كانت آثار هذا التوجه على مستقبل المنطقة، بدلاً من السعي إلى بناء نموذج ملهم للإنجاز الاقتصادي والتقدم التقني والتحديث الثقافي في إطار حكم رشيد على نحو ما فعلته دول خليجية أخرى.

وأتاح لهم الإرهاب الذي توسع عامي 2013 و2014 التدخل لحل أزمات مترتبة عليه، وأداء دور بدا لدول كبرى أخطأت التقدير ضرورياً وفاعلاً، بل إنسانياً، كونه يؤدي إلى إطلاق سراح مختطفين أو محتجزين لدى منظمات إرهابية!

ولذا صار بناء علاقات منتظمة مع بعض هذه المنظمات أحد أهم مقومات الدور الذي جعل الدوحة مقصداً لمن يسعون إلى إنقاذ مختطفين، وأدى إلى ازدياد الطلب عليها للقيام بوساطات استُخدمت فيها أموال يتطلب حصرها جهداً كبيراً. وتشكلت على هذا النحو معالم دبلوماسية صفقات لم تتضح أبعادها كاملة إلا مؤخراً. فقد بدا لوقت طويل أن هذه الدبلوماسية تقوم على المنهج المعتمد في الوساطات الساعية لإطلاق سراح أشخاص خُطفوا لأسباب سياسية، وهو مبادلتهم بآخرين يريد الخاطفون الإفراج عنهم. وقد حدث هذا التبادل في معظم الوساطات القطرية. وتبين بعد ذلك أن هذا الدور ارتبط بتقديم أموال للخاطفين، ومن ثم تمويل منظماتهم الإرهابية بطريقة غير مباشرة.

وكانت الوساطة التي أدت إلى تحرير 12 راهبة و4 مساعدات لهن كن يعملن في دير مارتقلا في بلدة معلولا السورية، نقطة تحول في هذا المجال، بسبب حجم الاهتمام العالمي بقضية اختطافهن في ديسمبر 2013. وخلق تحريرهن في مارس 2014، مقابل 150 امرأة كن محتجزات لدى الحكومة السورية، صورة بدت إيجابية لقطر في كثير من الدول ولدى الفاتيكان في حينه. ولم يطرح حينها السؤال الضروري عن طبيعة العلاقات بين قطر و"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" التي كانت الراهبات محتجزات لدى فصيل تابع لها.

وأدى ذلك إلى ازدياد الطلب على دبلوماسية الصفقات القطرية، حيث لجأت الحكومة اللبنانية السابقة إلى طلب وساطة الدوحة في سبتمبر 2014 لإطلاق سراح 30 جندياً اختطفتهم "النصرة" و"داعش" في جرود عرسال. وأسفرت تلك الوساطة عن إطلاق سراح 16 منهم في ديسمبر 2015، وكانوا محتجزين لدى "النصرة" التي يبدو أن علاقات الدوحة معها أقوى مقارنة بـ"داعش".

ويبدو أن الدوحة وجدت في اختطاف 26 قطرياً في العراق في ديسمبر 2015 مدخلاً لتوسع نطاق دبلوماسية الصفقات لتشمل منظمات إرهابية تابعة لإيران أيضاً، في إطار اتجاهها إلى التقارب مع طهران. وتبين ذلك عندما كشف النقاب في أبريل الماضي عن اتفاق لإطلاق المختطفين مقابل 700 مليون دولار لميليشيا كتائب "حزب الله" العراقي وقادة في الحرس الثوري الإيراني، و300 مليون دولار أخرى لـ"النصرة" للإفراج عن 50 من مسلحي ميليشيات عراقية تابعة لإيران.

وأدى توطد العلاقات بين قطر ومنظمات إرهابية على هذا النحو إلى ارتباط لن يكون فكه سهلاً حتى إذا التزمت الدوحة بتغيير حقيقي في سياستها. فالعلاقات من هذا النوع لا تقتصر على صانعيها في قمة السلطة، لأنها تخلق روابط بين نخبة في الأجهزة الدبلوماسية والاستخباراتية والأمنية والعسكرية، وقادة في هذه المنظمات.

وهكذا يبدو أن صعوبة فك هذا الارتباط ليست إلا إحدى القضايا التي ينبغي بحثها جيداً، والحصول على ضمانات كافية بشأنها في حالة اتجاه حكام الدوحة إلى تغيير سياستهم.