تظاهرة في ساحة تقسيم ضد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016.(أرشيف)
تظاهرة في ساحة تقسيم ضد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016.(أرشيف)
الخميس 13 يوليو 2017 / 14:33

الديمقراطية التركية بمعيار صحافي أمريكي.. جواب نهائي صادم

يروي ستيفن كينزر، كاتب عمود في صحيفة "بوسطن غلوب" الأمريكيّة، كيف تلقّى دعوة "غريبة" منذ فترة أرسلها إليه مسؤول في اسطنبول. تضمّنت الرسالة مطالبة لكينزر بمساعدة الحكومة التركية للاحتفال بـ "التزامها بالديمقراطية". وقد كان واحداً من 30 صحافيّاً تمّ اختيارهم للمساهمة بمقالات لمجلة خاصة ستوزع في اسطنبول وست مدن أجنبية أخرى في 15 يوليو (تموز) الحالي. وكل مقال يجب أن يتمحور حول "إيجابيات الديموقراطيات القوية".

أكثر من دولة في العالم تشهد "ديماغوجيين" مثل أردوغان يستخدمون أساليب ديمقراطية لتدمير الديمقراطية

يتابع كينزر فيكتب عن الصحافي التري والعالم السياسي شاهين ألباي بكونه مؤهلاً أكثر منه للكتابة عن الموضوع. ألباي كان يسارياً في شبابه وتمّ اضطهاده بعد انقلابي 1973 و 1980 في تركيا فأمضى سنوات في المنفى قضى معظمها في السويد. اعتدلت مواقفه السياسية مع الوقت وعاد إلى بلاده "ديموقراطياً اجتماعيّاً ليبيرالياً" وأصبح معلقاً سياسياً في الإذاعة والصحافة. وفي سنة 2002 فاجأ زملاءه العلمانيين بإعلانه نيّته التصويت لصالح رجب طيب أردوغان لأنّ وعوده الديموقراطيّة تتفوق على إسلاميّته السياسية كما رأى ألباي حينها.

أردوغان يردّ الجميل
"للأسف، لم يعد صديقي في موقع (يخوّله) الكتابة لأي أحد". فهو بات واحداً من 200 صحافيّ تركي وأكثر يقبعون في السجون. "جريمته" أنه كتب مقالات "تخريبيّة". وطلبت النيابة العامة أن يُحكم عليه بثلاث فترات متتالية من السجن المؤبد. "هو يبلغ 73 عاماً من العمر وهو ألطف شاب عرفته قط". ويتابع كينزر فيكتب كيف وصفته صحيفة "داي زيت" الألمانية بأنه "واحد من أهم الأصوات الليبيرالية في تركيا".

مهدّئات أعصاب
"قد يكون صديقي أو لا يكون بطلاً للصحافة التركية. فبعدما تمّ إبعاده من عدّة صحف لكتابة مقالات أزعجت من هم في السلطة، حطّ في صحيفة كانت وفية للداعية التركي المنفي فتح الله غولن. دعا (ألباي) غولن عدة مرات بأنه داعم للإسلام المعتدل. لم يذهب للاعتراض حين تمّ سجن الصحافيين المناهضين لغولن". يشير كينزر إلى أنّ صديقه يمكن أن يكون ارتكب بعضاً من سوء التقدير – "خطيئة" هي واردة لدى العديد من كتّاب مقالات الرأي بمن فيهم كينزر شخصياً كما يعترف. ويشرح الأخير أنّه ممنوع من زيارة صديقه في خليته التي تضمّ سجينين آخرين معه. وبحسب بعض التقارير مُنع ألباي من المشي في فناء السجن. "زوجته تجلب له الكتب ومهدّئات الأعصاب".

مثل "يهوديّ في ألمانيا النازيّة"
يذكر كينزر بأنّ أردوغان كان مرّة حليفاً لغولن قبل أن يصبحا عدوين. وبعد الانقلاب الفاشل افترض الرئيس التركي بأنّ الداعية كان خلف المحاولة. "كل واحد عمل لصحيفته أو كتب كلمة طيبة بحقه أصبح فجأة مساوياً ليهوديّ في ألمانيا النازيّة". ويضيف الكاتب عدم معرفته بما إذا كان صديقه قد ندم على أيّ ممّا كتبه. وككاتب مقال "يقع في الخطأ" يستنكر كينزر إنزال عقوبة بصحافيين مساوية لتلك التي يتم إنزالها بحق قاتلين متسلسلين.

زعيمة عالميّة في القمع
وأمضت تركيا أكثر من 80 سنة تمشي ببطء تجاه الديموقراطية مع عدّة عثرات. لكنّها الآن "تنزلق باتجاه معاكس". وأردوغان الذي وصل إلى السلطة بفضل جزئي من العلمانيين لم يعد قادراً على تحمل مواجهة الفكر للفكر وهي جوهرية في النظام الديموقراطي. عدد الصحافيين المسجونين في تركيا هو أكبر من أي دولة أخرى بحسب كينزر الذي يؤكد أنّ حالة ألباي لا تعكس انهيار الصحافة في تركيا بل انهيار الديموقراطية التركية. فمنذ 15 سنة كان الشرق الأوسط مشغولاً ب "النموذج التركي" الذي يمزج بين التقوى الإسلامية والحرية. تركيا هي الآن "زعيمة عالميّة في القمع".

ويشير كينزر إلى أكثر من دولة في العالم تشهد "ديماغوجيين" مثل أردوغان يستخدمون أساليب ديمقراطية لتدمير الديمقراطية. إنهم يظهرون مدى "الهشاشة" الذي يمكن أن تكون عليه المؤسسات الحرة.

هذا جوابه النهائي
"عوضاً عن تجاهل الدعوة التي تلقيتها لكتابة مقال يحتفل بالديمقراطيّة التركيّة، أجبت. كان اقتراحي بالمساهمة في مقال يؤكّد أنّ أيّ زعيم يسجن صحافيين بسبب ما كتبوه هو عدوّ فتّاك للديمقراطيّة".

"لم يكن هنالك ردّ (من اسطنبول)"... يختم كينزر.