الثلاثاء 18 يوليو 2017 / 08:49

قطر لم تقدم شيئاً يُذكر

حمد الكعبي- الاتحاد

تواصل الأزمة القطرية الآن السير في نفق الشهر الثاني، ويستمر إخفاق نظام الدوحة في تفهم ضرورة تلبية مطالب الدول الخليجية والعربية من قطر، التي تكابر وتعاند أشقاءها، وتستمر في عقوقها تجاه الأمة العربية بأكملها، بل وفي الإساءة للعرب أجمعين، والسعي للنيل من سمعتهم، لإرضاء حلفائها الجدد الزائفين.

ولا حاجة للتذكير بدوافع الدول التي قاطعت قطر لأن أسباب القطيعة معروفة ومعلنة، فقد فاقت المؤامرات والدسائس القطرية حد الصبر، وأدت إلى اتخاذ تدابير حرصاً على تلبية المطالب كافة المطروحة على الأشقاء في قطر. والأسباب واضحة ومعروفة، فمن بين الشروط التي وقع عليها تميم في الرياض عام 2014 أن لدول مجلس التعاون الحق في اتخاذ ما تراه مناسباً تجاه قطر في حال استمرارها في غيّها، ونشر شرها، وعدم كف أذاها عن جيرانها والعرب جميعاً.

والعرب في هذه الفترة بالذات في أمسِّ الحاجة لتكاتف الجهود، وتوحيد الصفوف، فما الذي يجعل قطر تبادر بشق الصف العربي، والسعي لإفشال أي جهد عربي مشترك؟ لا شك أن السياسة القطرية تكاتفت مع قوى الشر لإفساد البيت الخليجي أولاً، ومن ثم البيت العربي الكبير، والتفنن في حبك أسوأ صور الخيانة تجاه جيرانها، ومحاولة دس السم في العسل لهم، حتى تلحق بهم أبلغ الأضرار، كما فعلت في ليبيا ومصر وسوريا واليمن والبحرين، ودعمت التنظيم السري في الإمارات، وعملت كل ما تستطيع لاختلاق الفتن والأزمات في المملكة العربية السعودية، حتى يخلو لها الجو، وتبقى في الساحة لوحدها، لا أحد يكبرها، وتستطيع السيطرة على الجميع وتفرض نفوذها الوهمي على المنطقة كلها، حتى لو كلف ذلك تدمير الأوطان، ونشر عصابات الإرهاب والخراب في كل مكان.

وإذا رجعنا إلى الإمكانيات القطرية، فماذا يمكن أن يخسر العرب في حال استمرار قطر في شذوذها، ومفارقتها للموقف العربي، ومروقها على المجتمع الدولي؟ أو بالأحرى، ماذا قدمت قطر للبشرية سواء على صعيد مجلس التعاون أو المنطقة العربية أو على الساحتين الإقليمية والدولية؟

قطر لم تقدم شيئاً يذكر حتى نفتقده بمقاطعتها! ولَم تضع لها بصمة واحدة من الممكن أن تشكر عليها. فهل رأينا يوماً منتجاً نافعاً مكتوباً عليه "صنع في قطر"!؟ وهل سمعنا بأحد من العلماء تخرج في جامعات قطر؟ وهل توجد مبادرة قطرية واحدة حققت الاستفادة للشباب العربي؟

فالمتأمل في مملكة البحرين، على سبيل المثال، فإن لها، على رغم صغر مساحتها، الكثير من الإسهامات المادية والثقافية والأدبية الرفيعة سواء في ماضيها العريق أو حاضرها المنير، فقد ساهمت بشكل كبير في الماضي برفد العديد من المناطق في الخليج العربي بالمعلمين البحرينيين الأكفاء الذين ساهموا في نشر العلم الغزير والقيم الراقية، وفِي حاضرها سجلها أيضاً يشرف الوطن العربي بأكمله.

ومن دون أية مقارنات، لأنه لا وجه للمقارنة، فقطر رغم الإمكانيات الهائلة من عائدات الغاز المسال الذي سينضب في غضون العشرين سنة القادمة، إلا أنها لم تقدم للبشرية شيئاً يذكر. ستفقد سلعتها الوحيدة وتجد نفسها لم تقدم شيئاً محموداً.

وإذا رجعنا للداخل في قطر، فإنه ما زال نظام التعليم في قطر ضعيفاً وتقليدياً إلى درجة كبيرة. وهي دولة تبلغ عائداتها السنوية 120 مليار ريال تقريباً، ومع ذلك لا توجد فيها مدينة جامعية تقدم بحوثاً تخدم البشرية أو تسجل إنجازاً طبياً أو نجاحاً صناعياً في أي مجال كان.

وإلى الآن على رغم الثروة الهائلة، لم نسمع عن أحد ذهب في سياحة علاجية في قطر، فمستشفيات قطر ما زالت تفتقر هذه الخاصية في تطبيب الناس ومساعدتهم، وتحقيق النجاحات الطبية، وما تملكه قطر من أموال كان يمكن أن يصنع المعجزات في حال تم تسييره بطريقة رشيدة، وتسخيره لخدمة الإنسانية والرفاهية البشرية. وكان يمكن لدولة مثل قطر أن تسعى للتنافس العلمي، وتحلم بأن تكون سباقة نحو اكتشاف الفضاء بدلاً من خلق الأزمات بين زعامات "حماس" أيهم الأكثر ولاءً للنظام القطري.

لم نجد في السجل القطري خلال العشرين عاماً الماضية ما يشرف القطريين أنفسهم قبل غيرهم، فلم نجد إلا من يتفاخر بلف التبغ في ورق من ذهب وتصل قيمة السيجارة الواحدة عشرات الآلاف من الدولارات، وآخر يتباهى بسيارته الفارهة وسط العواصم الأوروبية، وغيرها من المواقف التي ليس لها مكان للسرد، وهكذا حينما تتحول النعمة إلى نقمة.

وكان في مقدور قطر، بإمكانياتها الاستثمارية، تنويع مصادر الدخل، وخلق فرص ودعم الابتكارات العلمية والصناعية التي من شأنها أن تخدم البشرية بدلاً من إيواء ثلة من الإرهابيين والمجرمين المتشردين، والإنفاق عليهم بملايين الدولارات، وهم ينشرون الفتن ويخلقون المحن.

والحال أن قطر تستطيع فعل الكثير، فصغر حجمها ليس نقصاناً في حد ذاته، وقلة شعبها ليست أيضاً مشكلة، بل المشكلة هي غياب الرؤية السديدة والسياسة الرشيدة، لدى نظام الدوحة، ولولا ذلك لكانت قطر سعت لخدمة شعبها ولعبت أدوراً إيجابية في خدمة الإنسانية كلها، بدلاً من تمويل الإرهاب ودعم المجرمين من كل شكل ولون.