الممرضات البلغاريات خلال محاكمتهن بتهمة نقل فيروس الإيدز إلى أطفال في ليبيا (أ ف ب)
الممرضات البلغاريات خلال محاكمتهن بتهمة نقل فيروس الإيدز إلى أطفال في ليبيا (أ ف ب)
السبت 22 يوليو 2017 / 14:15

ممرضات بلغاريات سجنهن القذافي يتذكرن مآساتهن بعد عقد من الحرية

لم تسفر سنوات أمضتها في السجون الليبية وحكمان بالإعدام عن كسر إرادة الممرضة البلغارية فالنتينا سيروبولو، التي تستمتع بحريتها المستعادة بعد 10 سنوات، نتيجة حملة دبلوماسية قضائية، تكللت بالنجاح.

وقالت هذه السمراء الرقيقة (58 عاماً) التي تعكس عيناها شبابها الدائم: "نشاطي اليومي حملني على نسيان الإساءات، تعلمت أن أركز اهتمامي على الوضع الصحي والحرية والعائلة".

واستعادت مهنتها في مستشفى مدينة بازاردجيك الصغيرة جنوب بلغاريا، كما كانت قبل القضية التي قادتها مع 4 مواطنين آخرين وطبيب فلسطيني، إلى سجون معمر القذافي، بتهمة حقن أكثر من 400 طفل بفيروس الإيدز بمستشفى بنغازي.

وبتأثر تتذكر هذه الممرضة تلك اللحظات وتقول: "خطفوني في إحدى أمسيات 1999".

وأضافت: "سد رجال فمي بشريط لاصق، ثم عذبوني طوال أشهر، عبر صدمات كهربائية وضرب بالعصي وتهديدات بالكلاب، أما الوقت المتبقي، فكنت أمضيه وحيدة في زنزانة انتظر الموت".

لكن ما حمل سيروبولو على الذهاب الى ليبيا، هو العمل في جناح العناية الفائقة للأطفال، والحصول على راتب يفوق ما تحصل عليه في بلغاريا.

إلا أن السلطات الليبية كانت تبحث عن كبش محرقة لامتصاص الاستياء في بنغازي، إذ كان مألوفاً تحميل هؤلاء العاملين الأجانب مسؤولية إصابة الاطفال بالعدوى عبر عمليات نقل الدم.

وفي أعقاب عمليات التعذيب إبان الاعتقال المؤقت، جاء دور المحاكمة والعقاب: الحكم بالإعدام الذي تأكد في دعوى الاستئناف، قبل تخفيفه إلى السجن مدى الحياة.

ساركوزي 
واستمرت عقوبة السجن حتى الخطوة الناجحة في 24 يوليو (تموز) 2007، إذ هبطت طائرة رسمية فرنسية في طرابلس وعلى متنها عقيلة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حينها، سيسيليا، التي سمح لها بإخراج المسجونين من ليبيا.

من جهتها، قالت ناسيا نينوفا (52 عاماً) الممرضة التي تعنى بالأطفال حديثي الولادة: "عندما أيقظنا الحراس، تخوفت من تنفيذ حكم الإعدام".

كما أوضحت فاليا تشيرفنياشكا، الممرضة الستينية: "عندما وصلت سيسيليا لاصطحابنا، رأيتها كما لو أني أرى العذراء مريم".

ولم يكشف السر المتعلق بالدور الدقيق الذي اضطلعت به الزوجة السابقة للرئيس السابق، على صعيد الإفراج عن الممرضات، رغم تشكيل لجنة تحقيق في فرنسا.

وبصفته مشاركاً في هذه العملية، وصف وزير الخارجية البلغاري السابق سالومون باسي ما حصل على كل المستويات "تدخل الاستخبارات البريطانية، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي".

وقال: "كانت مباراة طويلة خاضتها حتى النهاية المجموعة الدولية، وانضم إليها ساركوزي في الدقيقة الأخيرة لتسجيل هدف الانتصار".

وبعد الإفراج عن الممرضات، وجهت فرنسا والاتحاد الأوروبي شكراً للدوحة، فأثارتا بذلك تكهنات حول مساهمة مالية من قطر، لأن باريس وبروكسل أكدتا أنهما لم تدفعا شيئاً.

وأبرمت مجموعة عقود بين باريس وطرابلس في سياق الإفراج عن الممرضات، وتم استقبال العقيد القذافي في فرنسا في ديسمبر (كانون الأول) 2007.

على الصعيد الرسمي، لم تفعل صوفيا إلا إلغاء دين ليبي يبلغ 65,6 مليون دولار.

حياة بسيطة
ودائماً ما تظهر ادعاءات جديدة يصعب التحقق منها وتؤجج الغموض: ففي ديسمبر (كانون الأول) 2016، انتشرت الفرضية المثيرة للجدل عن إقدام مسؤولين ليبيين على حقن أطفال بفيروس الإيدز عن سابق تصور وتصميم، كما يتبين من قراءة أوراق خاصة برئيس الحكومة الليبي السابق شكري غانم.

وفي مايو (أيار)، أكد حارس شخصي سابق للقذافي في تصريح للتلفزيون البلغاري أن قطر دفعت، بناء على طلب باريس، 300 مليون دولار لليبيا، ونفى هذا التأكيد مبعوث سابق للاتحاد الأوروبي في طرابلس.

وبعيداً عن التكهنات، تفضل الممرضة السابقة كريستيانا فالتشيفا (58 عاماً) الانصراف إلى ممارسة هوايتها وهي تزيين عربات خشبية صنعها زوجها الطبيب الذي أمضى 5 أعوام في سجن ليبي لدى محاولته الذهاب للبحث عنها.

ويعيش الطبيب الفلسطيني أشرف الحجوج مع عائلته في هولندا، وتعيش ممرضتان في منزلين مجاورين قدمهما محسن بلغاري سخي، أما الثلاث الأخريات فلم يشأن السكن في الشقق المقدمة لهن.

وبعد العاصفة الإعلامية ومشاريع الأفلام والكتب وحفلات الاستقبال التي تلت الإفراج عنهن، بدأت الممرضات حياة بسيطة ينخرها الأسف الناجم عن عدم تلقيهن أي تعويض عن سنوات العذاب الثماني.

وقالت فاليا تشيرفنياشكا إن "الاحكام التي صدرت بحقنا ما تزال موجودة في ليبيا، لكن ليبيا كدولة لم تعد موجودة".