الشيخ تميم بن حمد (أرشيف)
الشيخ تميم بن حمد (أرشيف)
السبت 22 يوليو 2017 / 15:11

هكذا نسفت كلمة تميم بن حمد كل الاستراتيجية القطرية السابقة

24 - سليم ضيف الله

بعد غياب مُثير عن الواجهة السياسية والإعلامية طيلة الفترة الماضية، عاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى الواجهة في بلاده في أول ظهور إعلامي رسمي له، وبكلمة ألقاها أخيراً بعد تأجيل لا يقل إثارة طال شهراً، بعد إلغاء كلمته في اللحظات الأخيرة على قناة الجزيرة في 5 يونيو (حزيران) الماضي، ولكن المفاجأة لم تكن في مضمون الكلمة ونصها، بقدر ما كانت في ما لم يقله الأمير، ولم تتعرض له كلمته.

وفي الوقت الذي تحدث فيه الأمير تميم عن موقف حكومته من الأحداث وقراراتها إبان الأزمة الخليجية المستمرة، لم يفت المتابع والمحلل حجم الهوة التي أصبحت تفصل الخطاب الرسمي القطري عن المستجدات والوقائع التي يشهدها ملف الأزمة بنسق سريع ومتصاعد.

ومن أبرز النقاط التي شدت الانتباه في كلمة الشيخ تميم، اكتفاؤه بعرض "المواقف القطرية الصلبة" ورفض "التفريط في السيادة أو التنازل عنها، شرطاً لاستئناف الحوار مع الدول المجاورة"، وفي هذا الإطار كان لافتاً أن يغيب عن كلمة أمير قطر، ملف الإرهاب ودعم بلاده وحكومته للتطرف والتشدد، مكتفياً بدل ذلك بالتشديد على "انخراط قطر في محاربة الإرهاب، بلا هوادة، بشهادة المجتمع الدولي" في رد غير مباشر على اتهام بلاده بدعم الإرهاب، وإيواء إرهابيين، ومتطرفين.

والمُثير في هذا الإطار ليس الخطاب الترويجي الموجه أساساً إلى الداخل القطري المهتز، ولكن ما لم يتعرض له أمير قطر، رغم أهميته ورغم أنه في قلب الأزمة التي تعصف ببلاده، وتهدد مستقبلها السياسي والاستراتيجي، بإغفال أي إشارة إلى قرارين خطيرين اتخذتهما قطر، بأمر مباشر من الأمير نفسه، الأمران الذان ينسفان الخطاب الإعلامي والسياسي القطري من أساسه، أي الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة منذ أسابيع قليلة، وخاصةً تعديل قانون 2004 لمكافحة الإرهاب في قطر، والإرهاصات التي رافقتها والتي توحي بتغييرات هامة في الدوحة، أغفل الأمير التعرض لها من قريب أو من بعيد.

وتعد الاتفاقية الجديدة الموقعة مع الولايات المتحدة، والتي التزمت بموجبها قطر بالتعاون مع واشنطن التام لمكافحة الإرهاب، أبرز إدانة للدوحة، وأفضل طريقة نسفت بها الولايات المتحدة عملياً وليس نظرياً، مكافحة قطر للإرهاب بكل قوة، فالذي يُحارب الإرهاب، لا يحتاج فعلاً لاتفاقيات جديدة لمكافحة وتجفيف منابعه.

ولكن الحكومة القطرية، ورغم تكتمها على مضمون الاتفاقية قبلت كما كشفت تقارير إعلامية مختلفة ما أكدته وكالة رويترز، وسط الأسبوع "أن الولايات المتحدة سترسل مسؤولين إلى مكتب النائب العام القطري في إطار اتفاق قطري أمريكي" لمراقبة العمل القطري على مكافحة الإرهاب وتمويله.

وأوردت تسريبات فرنسية الجمعة، أن قطر قبلت باستضافة موظفين إثنين أمريكيين للتأكد من مدى التزام باتفاقية مراقبة ومكافحة ومحاكمة المتورطين في الإرهاب ودعمه وتمويله، الأمر الذي يُذكر في مواقف كثيرة من القبول القطري الجديد، بما دعت له دول المقاطعة "بإحداث آلية لمراقبة التزام قطر بوقف تمويل الإرهاب".

وإلى جانب ذلك، تضمن الاتفاق القطري الأمريكي، قبول الدوحة "بتشديد الإجراءات لمنع تمويل الإرهاب، ومكافحته، أو استقبال منظمات وتنظيمات إرهابية ومتطرفة على أراضيها" وهو ما وجد طريقه سريعاً إلى التنفيذ بإعلان إدخال تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2004.

ويكشف الإعلان الأخير على الأقل افتقار قطر حتى الساعة إلى الإجراءات التي كانت ستكفل مُكافحة الإرهاب، وتمويله بشكل فعال ومناسب كما تُطالب به دول المقاطعة، وحتى الولايات المتحدة نفسها، التي اختارت الاستفادة من الأحداث في المنطقة لإجبار قطر على مراجعة ترسانتها القانونية المتعلقة بالإرهاب، والتي إذا لم تكن تعكس إراداة سياسيةً معينة في احتضان الإرهاب والاستفادة من توظيفه، فإنها تكشف على الأقل تقصيراً وإهمالاً وخطيراً يستوجب التدارك في أسرع وقت، وهو بالضبط ما حصل بعد أيام من توقيع الاتفاقية مع الجانب الأمريكي.

ولكن أخطر ما جاء في كلمة الأمير تميم، رغم أنه لم يتعرض له بشكل مباشر وصريح، فيتمثل في نسف كل الخطاب الرسمي السابق للأزمة، ثم المقاطعة عن مكافحة الإرهاب، ومحاربته، فالذي لا يملك النصوص والمواد القانونية المناسبة لا يُمكنه مكافحة جريمة أو جنحة غير مضمنة في قانون العقوبات، كما يستحيل عليه أن يتخذ إجراءات عملية أو خطوات قانونية ضد أي جهة كانت بما أنه يفتقر الذي يُحدد الجريمة وطرق التصدي لها.

وفي هذا السياق، نسفت كلمة الأمير، والقرارات الأخيرة المتخذة في قطر، كل الاستراتيجية الدفاعية السابقة التي كانت تقوم على ريادة قطر في مكافحة الإرهاب، والتصدي له، مثلما جاء في كلمة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمان آل ثاني في الأسابيع التي تلت الأزمة، عن "تجميد أرصدة، ومصادرة، ومنع من السفر، وغيرها من الإجراءات ضد أسماء وأشخاص، وردت أسماؤهم في قائمات دولية لمكافحة الإرهاب" دون أن يكشف شخصياً كيف يُمكن اتخاذ إجراءات قانونية في غياب أي نص قانوني وتشريعي من جهة، وكيف يُمكن اتخاذ مثل هذه الإجراءات دون ضمانات قانونية، أو أخلاقية تكفل للمتهم الدفاع عن نفسه، أمام القضاء أو المحاكم في بلاده، وهو ما لم يحصل إطلاقاً في قطرعلى امتداد السنوات الماضية.

ولعل النقطة الثانية التي لم يتعرض لها الأمير تميم في كلمته، ظهور ما يُمكن تسميته بالخطة البديلة، بعد تسرب الإشارات الأولى عن إقصاء حملة لواء المواجهة الإعلامية وأبرز رموزها وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن، الذي اختفى بعد نشاط إعلامي محموم، وترك مكانه لوزير الخارجية السابق ووزير الدفاع الحالي خالد بن محمد العطية، الذي استرجع بعض الصلاحيات التي كانت في يده زمن إشرافه على وزارة الخارجية قبل إقصائه، بالتصدي للتصريحات الرسمية، مثل تصريحاته الأخيرة للتلفزيون التركي حول اليمن والتحالف العربي، أو "مقاضاة " الدول المقاطعة أمام محكمة العدل الدولية، أو غيرها من التصريحات التي تخرج وبشكل كبير عن مجال عمل واهتمام وزير الدفاع في العادة، خاصةً في ظل استمرار وزير الخارجية في أداء عمله بشكل جديد، ولا علاقة له بما عُرف عنه منذ بداية الأزمة، بغيابه المفاجئ عن ميكروفونات وكاميرات التلفزيون والإعلام بشكل عام، رغم استمراره في زيارة العواصم الكبرى، مثل بكين قبل يومين بحثاً عن حشد الدعم الدولي لموقف قطر، ولكن بعيداً عن استراتيجية الاستفزاز والتصريحات، والتسريبات، التي تحولت على ما يبدو من الخارجية بإدارته إلى الدفاع بإدارة العطية، أحد أقرب المقربين من الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة، الذي ارتبطت مسيرته السياسية حتى ارتقائه عرش الإمارة في 1995 بعد الإطاحة بوالده الشيخ خليفة، بالاعتماد أساساً على آل العطية النافذة في الدوحة.

وعلى هذا الأساس، فإن خطاب الأمير تميم الذي كان موجهاً أساساً إلى الرأي العام الداخلي، بحثاً عن ضمان تماسكه وتفادي انقلابه بسبب تصميم دول المقاطعة على المضي في مطالبها وشروطها، وتمسكها بمواقف حاسمة، وحازمة، لم يُغفل بما تجاهله عمداً وتغاضى عنه لأهداف تكتيكية صرفة، الحديث الموارب إلى دول الجوار، خاصةً بتأكيده استعداده للحوار مع دول الجوار، على أساس احترام "السيادة والإرادة " لكل الدول، كما جاء في آخر كلمته، التي أكدت من باب المفارقة كل ما حاولت الدوحة نفيه منذ اندلاع الأزمة، الاتهامات أولاً، ورفضها القبول بمطالب دول الجوار، خاصةً.