أردنية تتظاهر ضد المادة 308 من قانون العقوبات.(أرشيف)
أردنية تتظاهر ضد المادة 308 من قانون العقوبات.(أرشيف)
الجمعة 4 أغسطس 2017 / 20:01

أن تصل متأخراً

الأجيال المستقبلية ستجد في طريقها تحديات أصعب وأشد تعقيداً منا، وهن اللاتي تتقاطع نسويتهن في كل يوم مع معتقداتهن الدينية، وأعراقهن، وطبقاتهن الاجتماعية

لن أحصر التهنئة في 89 ألف كيلو متر مربع، بل سأقول مبارك للمرأة العربية في كل مكان قرار مجلس النواب الأردني بشطب المادة 308 من قانون العقوبات، والتي كانت تُعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من ضحيته.

لنسمح لأنفسنا ببعض الرضا مع كل تصاعد في حقوق وحريات المرأة، ولنفخر بطي الصفحات السوداء، دون أن نغفل عن خطورة بعض العقليات التي ننتقل بها إلى الصفحات الجديدة.

"أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبدا"، "هذه الخطوة تظل أفضل من لا شيء"، "الحمد لله على كل حال، التغيير جاء قبل فوات الأوان"، وغيرها. عبارات جوفاء نرددها ببرود مخيف، وبابتسامات صفراء، كما لو كنا نتحدث عن تأخرنا على اللحاق بشوط المباراة الأول!

لم يعد يتورّد خدنا خجلاً، توتراً أو قلقاً، من كوننا نحقق الانتصارات الضئيلة والمتأخرة في حقوق المرأة، لأننا في الواقع نلعب في "الأشواط الإضافية" للوعي.

ويبدو أن ذلك بسبب كوننا لا زلنا ننظر إلى الضحايا باعتبارهن أرقاماً تُحصى وتُحسب وتُحلّل. إنهن في مخيلاتنا أجساد متشابهة تُدنس وتُعطب فتُنبذ، لا وجوهاً متفردة تُعتم وتُحرم من مواصلة حياتها الطبيعية.
وربما هذه هي الطريقة الوحيدة للنظر بها إلى الأمور.

فواقعياً، يستحيل أن تعود عقارب الزمن إلى الوراء لنعوض أي امرأة منهن عن شبابها أو صحتها أو كرامتها أو الفرص التي هربت منها. وأمام هذا الشعور الأزلي بالفقد، ما الضرر من الوصول متأخرة إلى حقوقها بالنسبة لامرأة اضطرت للعيش تحت سقف واحد مع مغتصبها؟
ولكن الأحياء يتطلعون إلى الغد دائماً.

طالما لا زلنا نقنع المرة تلو الأخرى بالوصول متأخرات عوضاً عن ألا نصل مطلقاً، فإننا ببساطة نلقن تلك الأجيال المستقبلية أن لا قيمة للسنوات أمامهن، وأن أعمارهن إنما قد حُضّرت للضياع. تماماً كما أعمارنا.

ولكن الشر الحقيقي والمستطير هو في ذلك الوعد الذي نمنحه لهن قبل حتى أن يبدأن النضال.
بلا شك بأن الأجيال المستقبلية ستجد في طريقها تحديات أصعب وأشد تعقيداً منا، وهن اللاتي تتقاطع نسويتهن في كل يوم مع معتقداتهن الدينية، وأعراقهن، وطبقاتهن الاجتماعية، إلخ.

إننا حين نقنع بالقليل على الرغم من أننا لا زلنا في كثير من الأحيان نطالب بالبديهيات وحقوق الإنسان الأساسية، فإنما نخبرهن بأنهن لن يستطعن اللجوء إلينا يوماً بتحدياتهن العظيمة.

إننا نحذرهن من أن ينتظرن منا غداً موقفاً داعماً في ماراثونهن الحقوقي الطويل. بل نحن سنماطل، ونتباطأ، ونفرط في فرصهن وأحلامهن. وثم سنصفق لهن على وصولهن متأخرات وبشق الأنفس إلى خط النهاية، لمجرد أن ذلك يبدو أفضل من عدم الوصول. أي تماماً كما نفعل اليوم بأنفسنا.
ربما لم تعدنا الجدات والأمهات إلا بالفتات، ولكن لسبب ما، بات وعدنا المسبق للبنات والحفيدات بالخذلان أقسى وأشد سوداوية بكثير.