الخميس 10 أغسطس 2017 / 19:51

العفوية أنجزت.. والطبقة السياسية بددت

أفضل كلام سُمع خلال موقعة الأقصى، هو وعد القوى السياسية الفلسطينية للمصلين وللمتعاطفين معهم في كل انحاء العالم، بإنهاء الانقسام والوقوف صفاً واحداً لإنقاذ الأقصى والقدس، الذي وصفته الطبقة السياسية المنقسمة، كأول الطريق الى التحرير.

بعض السذّج صدق ما سمع، وانتظر خطوات وحدوية، أمّا الذين لديهم حصانة من وعود السياسيين، فقد تعاطوا مع الامر كما لو أنه مسكن للألم، يعمل لساعات محدودة، إلا أن الألم سيعود أفدح مما كان.

ما إن أزيلت البوابات والكاميرات عن مداخل الأقصى، حتى انقشع ضباب اللغة، وعاد المتقاتلون إلى لعبتهم المفضلة، وهي تعزيز الانقسام بتراشق الاتهامات وتبادل المطالب والشروط، ما أظهر انفصاماً مرضياً بل ومأساوياً، بين الطبقة السياسية الفلسطينية والجمهور الفلسطيني الواسع، وكانت النتيجة الأولية، يأسٌ شعبي فلسطيني من الطبقة السياسية ذاتها، وإحجام شعبي يكاد يكون مطلقاً عن السياسة وأهلها، وهذا أخطر ما يمكن أن يصل إليه شعب واقع تحت الاحتلال، ويفترض أن يخوض نضالاً شاملاً لدحره.
العفوية التي فعلت فعلها في موقعة الأقصى، لن نجدها خارج نطاق المسجد، مع أن كل يوم يمر يحمل تحدياً احتلالياً ينذر بتشديد القبضة على كل الوطن، حيال ذلك لا نرى غير أنشطة متناثرة يبادر بها طلائعيون محدودو العدد والإمكانيات، وأحياناً يشاهد ضيوفاً أجانب أتت بهم منظمات إنسانية للاضطلاع وتسجيل المواقف.

العفوية الشعبية هي الكنز الذي تستند إليه حركات التحرر الوطني منذ الأزل، إلا أن هذا الكنز يصير عرضة للتآكل والجمود والخمول، إن لم يجد من يحسن رعايته وتوجيهه وتحويل معطياته إلى حقائق سياسية، توفر ديمومة للفعل الكفاحي وضمانات عملية للتقدم نحو الحرية والاستقلال.

في غياب القيادة المتمكنة للعفوية الشعبية سيظل الفعل أشبه بحلقات مبتورة يسهل على الخصم تطويقها وإفراغ نتائجها.

حين كانت العفوية الشعبية تصب في بوتقة مؤسسة وطنية كبرى، وتجد من يصونها ويستثمر فعلها على كل الصعد، هذه العفوية المؤطرة والموجهة جعلت الظاهرة الفلسطينية تتفوق على خصومها، الذين يفوقونها عدة وعتاداً، وبالتراكم وحسن الإدارة والتوظيف، حقق الفلسطينيون إنجازات نوعية كانت بمثابة محطات قربتهم من هدفهم الرئيسي، وحين تركت العفوية لرد الفعل، صارت عرضة للتبدد بين صراعات القبائل، واحتدام الأجندات والنهم الذي لا حدود له للسلطة والنفوذ.

الدروس التي خرجنا بها بعد إزالة البوابات والكاميرات عن مداخل المسجد العظيم، هو أن الطبع في السياسة غلب التطبع بفعل العاطفة، وأن مصالح أصحاب الأجندات تتقدم على المغزى الراقي الذي جسده المصلون، وأن الخصم المتربص وراء الأسوار وجد الثغرات التي يدخل منها لتفريغ المغزى الحقيقي للإنجاز، وحين انصرف أقطاب الطبقة السياسية إلى لعبتهم المفضلة بالاقتتال، ظهر الدرس الأخير الذي يقول إن العفوية أنجزت والطبقة السياسية بددت.