الثلاثاء 29 أغسطس 2017 / 20:04

داعش على المفترق

نتأمّل في نهاية داعش ونأمل أن لا تكون النهاية لغزاً كالبداية، وأن لا تحيّرنا النهاية كما حيّرتنا البداية

تشارف المعركة مع داعش التي تخوضها قوى من المنطقة وقوى عالميّة على النهاية، هكذا يبدو الأمر من قريب والدلائل كلّها تشير إليه. مع ذلك، فإن المسألة لا تزال عصيّة ولا تزال غير محسومة. المعركة مع الإرهاب لا تزال مثيرة للإستغراب والحيرة كما كان الأمر في مبتدأها. لا تزال نهايتها محيّرة كما كان أوّلها. لقد بدأت بما يشبه السحر حين انقضّت قوى لم نكن شعرنا بها على دول قائمة منذ سنوات ولها تاريخ وقوى وجيوش وأمن ومخابرات وعندها ماض مع السلاح يكاد يكون عريقاً، ولها سمعة بالقوّة وبالجبروت على شعوبها وعلى محيطها. هذه الدوّل لم تصمد ليلة واحدة، وفي ليلة انتشر داعش على مساحات شاسعة وسيطر على أجزاء لها حجمها، وطرد الدّول إلى الخارج، وأقام محلّها خلافة ودولة، ونصبّ عليها خليفة، وفرض قانوناً عدّه إلهيّاً، وإن لم تكن له سابقة في ديار الإسلام ولا نموذج في ماضيه منذ الرسالة والفتح الإسلامي ولم ينصّ على أكثره في القرآن، وهو دستور الإسلام وكتابه.

ظهر داعش من الخفاء وتكوّن  وانبنى بدون أن يشعر به أحد أو يقيم له، من شعر به وزناً، وظلّ الأمر كذلك حتّى ظهر على المنطقة كلّها كالصاعقة. ومنذ بداياته أقام حكماً ترويعيّاً لا يبالي يردود النّاس ولا بآرائهم، فما دام الحكم للّه فلا حاجة إلى رضا مخلوقاته. لقد صار الترويع مرادفاً للدين وللشرع وصار العنف هو القانون الآلهي، كما أنّ الدم صار هو الشريعة. كل ذلك بلا مثال سابق ولا نموذج كامل يبنى عليهما ويرجع إليهما. إسلام داعش لم يستعر من التاريخ ولم يستعد واحدة من دول الإسلام في مختلف عصوره. لكن العجيب في أمره هو قدرته الهائلة والسريعة على التعبئة وعلى التنظيم وعلى إيجاد نظام يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والعقيدة السحيقة، على الأقّل في إدّعائها ومرجعيّتها المزعومة. مع ذلك لم نجد من ينهض من كبار المتفقهين ويبادر الى شرح الفروق بين الخطاب الداعشي، كما فعل النائب العام في قضيّة طه حسين، فمرافعته استعادت آيات وأجزاء من السيرة وتصدّت بإسلام حديث لمن هاجموا طه حسين بإسم الإسلام وكفّروه على هذا الأساس. هذا بالتأكيد عزّز الخطاب الداعشي وإن فعل الترويع العكس تماماً.

كانت بداية داعش مباغتة ومحيّرة بل ومذهلة فهل تكون نهاياته أكثر واقعيّة وأقلّ إذهالاً وتحييراً. ليس ثمّة ما يوحي بذلك أو يدلّ عليه، مرّة ثانية نجد أنّ نهاية داعش صعبة وغامضة كبداياتها. لقد شارف داعش بعد أحداث العراق وسوري ولبنان على الإنتكاس، بل هو في حال إنتكاس فعليّ. لقد انهزم  في الموصل والأنبار والرقّة والجرود. إنهزم أمام قوى متكتّلة من المنطقة و العالم فما الّذي يمنع هذه القوى بما تملكه وتقوى عليه وبما تستطيعه، وهي تكاد تكون العالم بقضّه وقضيضه، ما الّذي يمنع تلك القوى من أن تقضي على قوّة كداعش لا يساندها حسب الظاهر والمعلن أحد. إلاّ أن يكون هناك في الخفاء ما لا نعلمه. إلآّ أن تكون أو كانت مدعومة من قوى متوارية تساندها في السرّ وتعلن للناس عكس ما تخفيه. هناك حول ذلك أحاديث كثيرة، لكنّنا إذا أخذنا بالمعلن وجدنا أنّ داعش وحده وهو من هناك يواجه النّاس وفيهم المسلمون أنفسهم.

أن يكون داعش وحده على حدّ الظاهر والمعلوم، وأن يقدر مع ذلك على ما قدر.غير أنّنا الآن نتأمّل في نهايته ونأمل أن لا تكون النهاية لغزاً كالبداية، وأن لا تحيّرنا النهاية كما حيّرتنا البداية. الأمور لا تشير إلى ذلك فالقضاء على داعش وإجتثاثه لا يبدوان راهنين، لا في ليبيا ولا في سوريا حيث لا ندري ماذا يهيّأ لديرالزور فقد انتهت معارك الجرود في لبنان بإعادة مقاتلي داعش سالمين الى دير الزور حيث تنتظرهم المعركة الأخيرة، إن حدثت وإن كانت الأخيرة.