نحضيرات للاستفتاء على استقلال كردستان العراق.(أرشيف)
نحضيرات للاستفتاء على استقلال كردستان العراق.(أرشيف)
الثلاثاء 5 سبتمبر 2017 / 19:55

على هامش الاستفتاء الكردي

بعض مظاهر المتاهة في تفكير النخب العربية إغفال طبيعة الجار الكردي وعدم إخضاع قضيته لمعطيات الشراكة في منطقة تتأرجح منذ رسم خرائطها على فالق زلزالي

تجافي مشاركة نخب عربية الأطراف الدولية والإقليمية هجومها على "استفتاء الكردستان العراقي" وقلقها من "اتساع حضور أزمة الكرد السوريين" بديهيات التفكير السياسي المفترض أن يبلور نظرة أعمق لقضايا المنطقة والعالم.

بين مظاهر المجافاة مراهنة البعض على نجاح التحركات الإيرانية ـ التركية في تفويت فرصة وضع قضية الكرد على سكة الحل دون أي اعتبارات للتناقضات الإيرانية أو غياب استقرار السياسة التركية الذي حول تصعيد طهران وأنقرة إلى محاولة بائسة لاقتلاع ظل القضية والإبقاء على جذورها.

وفي المتاهة الكردية تجاهلت النخب العربية ـ بقصد أو بدون قصد ـ الأبعاد التاريخية للأزمة المشتبكة منذ عقود مع تركيبة وبنى أربع دول مؤثرة في استقرار المنطقة ومستقبلها.

إحدى المفارقات التي أدى إليها التجاهل، التقليل من أثر مساهمة سياسات أنظمة الدول الاربع ـ المعنية بشكل مباشر ـ في مفاقمة الأزمة الكردية دون الاكتراث بمضاعفاتها حيث بقيت المعالجة قائمة على إخفاء مخلفات تقسيم سايكس ـ بيكو الذي أفقد استقرار المنطقة شروطه الأساسية وأبد قضاياها العالقة، ففي أحسن الأحوال لم تتجاوز الإجراءات السياسية المتبعة قصورها عن الوصول إلى توافقات ترضي مختلف المكونات الديموغرافية رغم عجز الحل الأمني عن إنهاء الازمة.

بعض مظاهر المتاهة في تفكير النخب العربية إغفال طبيعة الجار الكردي وعدم إخضاع قضيته لمعطيات الشراكة في منطقة تتأرجح منذ رسم خرائطها على فالق زلزالي.

ولا تنتهي فوضى مقاربات النخب عند التنكر لحق القومية الكردية في تقرير مصيرها وتحديد خياراتها المستقبلية وكأن التحولات التي مرت على التفكير الأممي وأداء المنظمات الدولية أدت إلى تبخر المبدأ مع بعض منظومة المفاهيم الأممية التي كانت سائدة حتى وقت قريب ولم تغب بشكل كلي عن الخطاب السياسي العربي.

تتهاوى مبررات افتعال الحجج المستخدمة في هذه التنظيرات عند أول محاولة لتفنيدها حين يتعلق الامر بمخاوف النخب العربية من التبعات المحتملة لحصول الكرد على حقوقهم. ففي السعي لشيطنة الكرد وقضيتهم يجري البحث عن ما يوحي بالاستخدام الإسرائيلي للحالة الكردية دون التفكير بتحولات العقود الثلاثة الماضية التي بلغت التنسيق الأمني بين القيادة الرسمية الفلسطينية والحكومات الإسرائيلية وارتباط دول عربية باتفاقيات سلام وعلاقات دبلوماسية مع اسرائيل والظاهر والمخفي من التطبيع بين العرب والإسرائيليين.

ويحول استمراء الوقوف عند حدود التوتر والحذر دون التقاط مخيلات النخب العربية أوجه شبه بين القضيتين الكردية والفلسطينية تطفو على السطح بمجرد اجراء بعض المقاربات العابرة بين المظلومين من اتفاقية تقسيم المنطقة وتمتد هذه الأوجه لتلتقي عند حق الشعبين في إقامة كيانيهما السياسيين على ترابهما الوطني.

الصعوبات التي تعترض الحلم الكردي ـ وفي مقدمتها الاصطفافات الدولية والإقليمية ـ لا تعفي النخب العربية من القيام بمراجعات لتعميق فهمها للمنطقة وقضاياها وتوسيع زوايا الرؤى بدلاً من استمرار الدوران في حلقات الأطراف الإقليمية والدولية المحكومة بتناقضاتها الداخلية وحساباتها الضيقة.