• الزعيم السوفيتي السابق، نيكيتا خروتشوف، يهوي بحذائه على منصة الجمعية العامة (أرشيف)
    الزعيم السوفيتي السابق، نيكيتا خروتشوف، يهوي بحذائه على منصة الجمعية العامة (أرشيف)
  • الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي أثناء قراءته خطابه الطويل في الجمعية العام (2009)
    الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي أثناء قراءته خطابه الطويل في الجمعية العام (2009)
  • نتانياهو يعبر بالرسم عن قلقه من البرنامج النووي الإيراني، نيويورك (2012)
    نتانياهو يعبر بالرسم عن قلقه من البرنامج النووي الإيراني، نيويورك (2012)
  • الرئيس الإيراني، حسن روحاني، نيويورك (رويترز)
    الرئيس الإيراني، حسن روحاني، نيويورك (رويترز)
الأربعاء 25 سبتمبر 2013 / 13:11

قمم الأمم المتحدة: من حذاء خروتشوف لـ"بينغ بونغ" مروراً بخيمة القذافي

لم يكن شهر سبتمبر (أيلول) من عام 1945 طقساً خريفياً عادياً، بل شهد خريفاً سياسياً واقتصادياً كشف دولاً كبرى طحنتها رحى الحرب العالمية الثانية. فاجتمعت في ولاية سان فرانسسكو الأمريكية للإعلان عن منظمة الأمم المتحدة، والتي كانت ضمنياً بمثابة إعلان عن نظام عالمي جديد يقتسم النفوذ فيه الكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفيتي حينها، والكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

حين رفضت الولايات المتحدة منح الاعتراف بالصين الشعبية الشيوعية بدلاً من الصين الديمقراطيةاستشاط خروتشوف غضباً وخلع حذاءه وضرب به المنبر

حضر القذافي بخيمته إلى نيويورك في قمة 2009 وعمد إلى قراءة خطاب طويل لا يخلو من استعراضات مسرحية

الأعوام الطويلة التي ارتهن فيها العالم لأحادية القطب بزعامة الولايات المتحدة قاربت على الانتهاء

وعلى الرغم من أن هدف إنشاء المنظمة الدولية كان إرساء دعائم السلم والأمن العالميين، إلا أن تلك الفترة بالذات كانت تدشيناً لنظام عالمي جديد، بوجود هامش صغير تمثل في الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي منح الدول الصغيرة فرصة إسماع صوتها، وذلك بعد أن عطل الفيتو السوفيتي  لأمريكي العديد من القرارات الدولية.

وبفضل الجمعية العامة كان لدول العالم الثالث والنامي أن تنتزع الاعتراف باستقلالها، لتنضم إلى جوقة الأصوات المؤثرة على الساحة الدولية، خاصة في فترة الحرب الباردة التي كانت فعلاً العصر الذهبي للدول الصغيرة.

وفي مطلع خريف كل عام، يجتمع قادة وزعماء ورؤساء دول العالم تحت قبة الجمعية العامة في نيويورك، يتساوون في أصواتهم مرة واحدة، فيما يحتكر مجلس الأمن الدولي بمقاعده الخمس دائمة العضوية أصوات الـ12 شهراً الأخرى.

قمة حذاء خورتشوف
ويحرص المجتمعون في الأمم المتحدة على الاعتناء بأدق التفاصيل، فمنبر الجمعية العامة هو صوت الشعوب أيضاً بقدر ما هو صوت الأنظمة التي تحكمها، وعلى الرغم من الرصانة وتشذيب الكلمات المنمقة و"المغربلة" بدقة، إلا أن الجمعية العامة استحالت مسرحاً لكثير من الأحداث المضحكة التي سجلت علامات فارقة في تاريخ المنظمة الدولية.

ومن بين تلك الأحداث، ما فعله زعيم الاتحاد السوفيتي السابق، نيكيتا خروتشوف عندما نزع حذاءه عام 1960 وضرب به بقوة على منبر الجمعية العامة، وذلك بعد سجال مع الكتلة الغربية بزعامة الأمم المتحدة حول الصين الشعبية والفلبين.

وحين رفضت الولايات المتحدة منح الاعتراف بالصين الشعبية الشيوعية بدلاً من الصين الديمقراطية، وعندما اتهم الزعيم السوفيتي واشنطن بانتهاج سياسية استعمارية في الفلبين، ورد الغرب عليه بضرورة  منح أوروبا الشرقية استقلالها ، استشاط خروتشوف غضباً وما كان هناك دواء لتهدئته سوى أن يخلع حذائه ويضرب به بقوة على منبر الجمعية العامة بالترافق مع سيل من الشتائم "باللغة الروسية".

وبعد فورة الغضب التي أدهشت الحضور، أبقى خروتشوف فردة حذائه على منبر الجمعية العمومية وعاد بفردة حذائه الأخرى إلى مقعده هادئاً، وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وحصل على مكافأة من المنظمة الدولية على أدائه المؤثر بتسمية هذه القمة بـ"دورة حذاء خروتشوف"!.

ستاند آب كوميدي
وكثيرة هي الأحداث والمناورات السياسية والهموم الاقتصادية التي تدحرجت بين أروقة الجمعية العامة، لكنها رغم ذلك حافظت على هامش من الفكاهة يشبه إلى حد بعيد أسلوب "ستاند آب كوميدي" وربما تعد خطابات الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، أحد أكثر النماذج تعبيراً عن هذا الأسلوب.

ففي قمة 2009، حضر القذافي بخيمته إلى نيويورك وعمد إلى قراءة خطاب طويل لا يخلو من استعراضات مسرحية تمثلت بتمزيقه ميثاق الأمم المتحدة في حضرة أعضاء الجمعية العامة.

ولم يكتف "ملك ملوك أفريقيا المخلوع" بذلك، بل كان يصّر على متابعة ترجمة كلماته بصورة فورية والضغط على المترجم والتدقيق وراءه من أجل التأكد من صحة ترجمة كلماته، التي كان يستعصي على العرب أنفسهم فهمها، إلى اللغة الإنجليزية، وكان نتيجة هذا الضغط إصابة المترجم بانهيار عصبي استوجب نقله للمشفى.

بدوره، أصاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، المشاركين في قمة الجمعية العامة عام 2012، بالدهشة عندما أخرج لوحة بيضاء رسم عليها شكل قنبلة، وذلك للتحذير من خطر البرنامج النووي الإيراني.

بينغ بونغ
اليوم، وفي القمة 68 للجمعية العامة، بدت المنظمة الدولية وكأنها طاولة لعبة "بينغ بونغ" وذلك لما احتوته كلمات زعماء ورؤساء الدول من عروض سياسية وفرص دبلوماسية لحل الكثير من الأزمات العالقة.

وربما، يعد خطابيّ الرئيسين الأمريكي والإيراني، نموذجاً لمرونة الأداء السياسي وفق دبلوماسية الـ"بينغ بونغ"، فالرئيس باراك أوباما أكد في كلمته على "ضرورة تجربة الطرق الدبلوماسية مع طهران"، ليرد إليه بعد ساعات الرئيس حسن روحاني الكرة بالقول إن "إيران ملّت من سماع كلمة الخيار العسكري مطروح على الطاولة".

لكن أهم ما تمر به الجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل التغيرات على الساحة الدولية، وصعود قوى جديدة ممثلة في روسيا والصين وأمريكا اللاتينية، هو أن الأعوام الطويلة التي ارتهنت فيها لأحادية القطب الدولي بزعامة الولايات المتحدة قاربت على الانتهاء، إيذاناً بعصر الشراكة السياسية.

وما حصول فلسطين على الاعتراف بها كدولة في قمة عام 2012، إلا بداية تشير إلى أن الأصوات الصغيرة عاودت إقلاعها مجدداً.