علي عزت بيغوفيتش، أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب.(أرشيف)
علي عزت بيغوفيتش، أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب.(أرشيف)
الأحد 10 سبتمبر 2017 / 21:51

دور الإخوان المسلمين في مأساة البوسنة

علي عزت بيغوفيتش الذي تمتدحه شرائح من الناس، هو في الواقع أحد القطبيين الذين حاولوا استنساخ تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في البوسنة، وارتباطاته بإيران وزياراته لها، قديمة، وعلاقة الإخوان ببلاده قديمة أيضاً تمتد إلى 1938

(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). أكثر العرب وكل المسلمين يعرفون أن هذه آية من القرآن الكريم، وأنها جاءت على لسان يوسف الكريم بن الكرام، وأن الخطاب فيها موجه لملك مصر في ذلك الزمان. عاش يوسف في القرن الثالث عشر قبل الميلاد والملك الذي عاصره هو أمنحوتب الرابع المعروف بأخناتون، وهو من السلالة الثامنة عشر في عوائل الفراعنة الحاكمة، وهو الملك الذي دعا لنبذ تعدد الآلهة واتخاذ إله واحد، هو الشمس، فيما يُعرف بالديانة "الأتونية". يرى سيغموند فرويد أن أخناتون مال إلى التوحيد بتأثير من اليهودية، إلا أنه لم يكن موحداً كما في الأديان السماوية المعروفة.

(اجعلني على خزائن الأرض) .. ما معنى هذه الآية؟ هذا طلب. النبي يوسف عليه السلام المؤيد بالوحي، يطلب من الملك الذي يعبد الشمس، أن يجعله وزيراً للمالية! لا غرابة في أن يطلب كرسي وزارة المالية، فالإسرائيليون يُحسنون التعامل مع المال ويجيدون استخدامه، وقد نجح نبي الله يوسف في إنقاذ اقتصاد مصر في ذلك الكساد العظيم Great Depression المبكر، بعد سبع سنوات من المعاناة. يقول الاقتصاديون إن الدورة الاقتصادية قد تستغرق ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، لكن هذه القصة تؤكد أنها قد تمتد إلى سبع.

إنما الغريب في هذه القصة، ونحن في زمن تكفير الحكومات العربية كلها والدعوة إلى الثورات بناء على مبادئ سيد قطب وجماعته الداعية للثورة والدم، أن نبي الله يوسف لم يقل للناس: "هذا ملك كافر يعبد الشمس .. هلموا بنا نسقط حكمه ونزيل دولته ونقيم دولة الحاكمية". لم يفعل شيئاً من هذا، وإنما اكتفى بالدعوة إلى التوحيد بشكل سلمي حضاري، ومارس دوره كمواطن في تلك الدولة بسعيه لازدهارها وإبعادها عن حافة الإفلاس، وتخفيف الشر ما استطاع. هذه الحجة لا يمكن نسفها بمصادرة أن هذا شرع من قبلنا، على طريقة المعارض السعودي محمد المسعري، بل هذا هو الممكن وهو المسلك الواقعي، والعالم كله مفتوح اليوم للدعوة بالحسنى ولا عذر أبداً لمن يميلون لسل السيف على العالم.

خطرت هذه الآية ببالي وأنا أقرأ من جديد عن مأساة البوسنة والهرسك التي هزت ضمائر كل البشر، مسلمين وغير مسلمين. عندما قُتل 200 ألف بوسنوي خلال الحرب، وحدثت مذابح مثل "حصار سراييفو" و"مذبحة سرببرينتسه" التي قُتل فيها وحدها 8 آلاف إنسان. تلك المأساة التي وصفت أيامها، بأنها أسوأ مذبحة حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تصفية عرقية ضد البوشناق الذي سعوا للاستقلال بعد تفكك يوغوسلافيا. وكان المسئولان الأولان عن تلك الجرائم المخزية هما رادوفان كاراديتش الزعيم السياسي لصرب البوسنة والجنرال راتكو ميلاديتش، فهما المنظمان لجرائم القتل والتصفية العرقية والقتل على الهوية.

في عام 2005 أشار الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك السيد كوفي عنان في خطاب الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية، إلى أن اللوم يقع بالدرجة الأولى على أولئك الذين خططوا ونفذوا المذبحة والذين ساعدوهم، ولكنه يقع أيضاً على الدول الكبرى والأمم المتحدة، كون الاولى فشلت في اتخاذ إجراءات كافية، والثانية - أي الأمم المتحدة- ارتكبت أخطاء جسيمة قبل وأثناء وقوع المجزرة، ولذلك ستبقى مأساة "سربرينتسه" نقطة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة إلى الأبد".

لا شك أن هذين المجرمين ومن معهما ارتكبوا جريمة مروعة ستبقي أسماءهم متوشحة بالعار، ولا شك أن الأمم المتحدة قد قصرت في حماية الشعب البوشناقي من تلك المذبحة، لكن هناك طرف ثالث لا بد من إدانته أيضاً. ذلك الطرف هو جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها العالمي الذي يعقد اجتماعاته هذه الأيام أكثر ما يعقدها في تركيا والبوسنة!

علي عزت بيغوفيتش الذي تمتدحه شرائح من الناس، هو في الواقع أحد القطبيين الذين حاولوا استنساخ تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في البوسنة، وارتباطاته بإيران وزياراته لها، قديمة، وعلاقة الإخوان ببلاده قديمة أيضاً تمتد إلى 1938.

ذكر بيغوفيتش في مذكراته أن حزب الإخوان المسلمين بالنسبة له "نور هذا الكون" وفي موضع آخر يقول "لولا الإخوان المسلمين لضاعت البوسنة" والصحيح أن الإخوان كان لهم دور كبير في المذبحة التي وقعت على ذلك الشعب المسالم. لقد راهن علي عزت وحزبه على دولة مستقلة بعد تفكك يوغوسلافيا، كما راهن على أن الأمم المتحدة سوف تحمي البلاد من شبح الحرب، لكن الحرب وقعت بين الجميع، وخاب أمل بيغوفيتش في الأمم المتحدة وحدثت المجازر والاغتصاب الجماعي. هذا يعني أن الرجل كان سياسياً فاشلاً تسبب في مذبحة مروعة لشعبه لكي يصبح حاكماً للبوسنة.

ولما هدأت الحرب أوعز بيغوفيتش لرفيق دربه ورئيس وزرائه حارث سيلايديتش لكي يقوم بطرد الجهاديين من سراييفو بعد أن انتهت مهمتهم ووقع علي عزت اتفاقية دايتون. هكذا امتلأت صدور الجهاديين حقداً على العالم وعلى العالم الإسلامي من ضمنه، فتحولوا بعدها إلى مرتزقة وأصبح سلاحهم للتأجير، لأنهم شعروا أن الإخوان المسلمين قد استخدموهم كما تستخدم الحيوانات المتوحشة ثم طردوهم خارج البلاد التي دافعوا عنها. هذه هي بذرة داعش.

لقد كان الشعب البوسنوي شعباً مسالماً ولم يكن يفكر أبداً بأن الحرب ستنفجر، ولم يكن يرغب بتاتاً في تلك المظاهرات التي أشعلها الإخوان المسلمون لتكوين دولتهم.

هناك دور يجب أن يُدان لمترجم علي عزت بيغوفتش، الدكتور الفاتح علي حسنين محمد شريف الذي ولد في السودان واستقر به المطاف في يوغوسلافيا حيث أنشأ هناك تنظيماً سرياً في عام 1966 اسمه "اتحاد الطلاب المسلمين" ثم أنشأ تنظيماً سرياً آخر بشرق أوروبا مقره مدينة بلغراد في عام 1967 ثم أسس المجلس الإسلامي لشرق أوروبا مقره في فيينا عام 1987 وهو يعمل كمجلس للقيادات السرية العاملة في كل من بلغاريا واليونان ورومانيا وألبانيا وصربيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وكوسوفو والمجر وسلوفاكيا والتشيك وبولندا ومولدافيا. وكانت ثمرة جهود الفاتح مع علي عزت تأسيس حزب العمل الديمقراطي الذي تولى الحكم في البوسنة عام 1991 وهو ما يعرف باسم "إخوان البوسنة". وأنشأ الفاتح وكالة إغاثة العالم الثالث التي تقوم بأنشطة متباينة منها أن قامت بترجمة القرآن الكريم واعتمدت في ذلك على شخص يهودي ليقوم بتلك الترجمة، مما يفتح ملف علاقتهم بالماسونية من جديد. إنهم لغز محيّر، فكُل من اطلع على مقدمة تلك الترجمة للقرآن شعر أنه أمام نص شيوعي ثوري!

هذا الرجل الملياردير الفاتح علي حسنين قد جمع من تبرعات المسلمين ثروة تفوق ميزانيات كثير من دول العالم. الفاتح هو أحد العقول المدبرة لقوة المال العالمية التي يتحكم فيها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. لقد أعلنت قوة المال الإخوانية صراحة بأنها تفضل الرأسمالية على الشيوعية الملحدة في مجال الاقتصاد وتفضل الخطاب الثوري الذي تعلمه الإخوان من الماركسيين في مجال السياسة، فقد أخذ الإخوان فكرة "الخلايا العنقودية" حرفياً عن لينين. لقد اختار الإخوان هذه المزاوجة بين الماركسية والرأسمالية بحيث يشعلون الحروب في البلدان، مهما كان حجم الأقلية المسلمة التي يتحججون بنصرتها، فإما أن تأتيهم التبرعات الضخمة لحساباتهم الشخصية، وإلا فسينشرون صوراً بعضها صحيح وبعضها مزور، لشعب يُذبح لا يُدري أين هو، وسيتهمون الدول العربية خصوصا الخليجية، بأنها تخاذلت عن نصرة المسلمين، وسيدعون للثورة على كل الحكومات بهذه الذريعة.

هذا تصوري لما حدث في البوسنة، والذي لا شك فيه عندي اليوم هو أن الإخوان المسلمين يتحملون جزءاً كبيراً من المسئولية في إراقة دماء 200 ألف مسلم في البوسنة بتلك المظاهرات التي نظموها ورعوها قبيل اندلاع الحرب بسنوات. تلك المظاهرات قد صادرت على البوسنويين حقهم في الاختيار وفرضت عليهم خيار الحرب، وقد كانت نتائجها وخيمة جداً بحيث لا يرغب بوسنوي واحد في تذكرها أوتذكر ما جرى فيها. هذه قصة كان من واجبي كتابتها، وواجبك أيها القارئ الكريم أن تنقلها إن ثبتت عندك صحتها، لكي لا يستغفلنا المجرمون من جديد.