تصدير سلع تركية من ميناء إزمير (أرشيف)
تصدير سلع تركية من ميناء إزمير (أرشيف)
السبت 23 سبتمبر 2017 / 12:06

الخلاف الألماني التركي يضع الشركات في مهب الريح

إذا كنت ألمانيا وتمارس نشاطاً اقتصادياً في تركيا، فستحتاج إلى أعصاب فولاذية، فالغموض يتزايد منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة على حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في صيف 2016 بسبب سياساته.

في الوقت نفسه يستمر تراجع العلاقات بين برلين وأنقرة، وهو أمر له تداعياته على الاقتصاد التركي.

غموض سياسي
ورغم استمرار عقد الصفقات التجارية والاقتصادية بين الألمان والأتراك وتوقع تحسن معدل نمو الاقتصاد، فإن الغموض السياسي، يعني أن الشركات الألمانية ستميل أكثر إلى تعليق خططها الاستثمارية الجديدة في تركيا.

تعد تركيا سوقاً مهمة للشركات الألمانية الكبرى مثل سيمنس، ودايملر، وإيون، حيث يبلغ عدد سكان تركيا حوالي 80 مليون نسمة.

وتعمل حوالي 6800 شركة ألمانية في تركيا، وتملك مواقع إنتاج تقدر قيمتها بحوالي 9 مليارات يورو (10.8 مليار دولار) وتوظف حوالي 140 ألف شخص.

وتمتلك شركة الكيماويات الألمانية العملاقة "باسف" 6 مواقع إنتاج يعمل فيها 800 عامل في تركيا.

ومنذ أسابيع قليلة أصيب الرئيس التنفيذي لشركة باسف، كورت بوك بصدمة بعد ظهور شركته في قائمة تركية للشركات والمؤسسات المشتبه في دعمها للإرهاب.

وبعد صدور القائمة، قالت الحكومة التركية على لسان وزير داخليتها سليمان صويلو إن وصول هذه القائمة إلى الإنتربول كان بسبب "خلل في التواصل" لكن بوك، قال إن هذا الحادث لم يؤد بالتأكيد إلى تعزيز ثقته في تركيا.

وأضاف "الكل يعرف هذه القاعدة، لجذب الاستثمارات تحتاج إلى أسس مستقرة، وبالطبع هذا يشمل أيضا الاعتراف بالعدالة، والقانون".

نظام مستبد

أما  نائب رئيس اتحاد الصناعة الألماني بي.دي.آي توماس باوير، فأعرب عن قلقه أيضاً وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الاقتصادية الألمانية "بالطبع هناك تساؤلات عما سيحدث غداً، لأن هناك الآن نظام مستبد في تركيا".

وأضاف أن المخاطر التي تواجه الشركات قد تأتي في شكل عقوبات، أو تحذيرات من السفر إلى تركيا.

ورغم أن الاتفاقيات والصفقات التي عُقدت في وقت سابق، تُنفذ حالياً، فإن تركيا فقدت جاذبيتها بالنسبة للشركات الألمانية.

ويقول باوير: "في هذه اللحظة، وكرجل أعمال، لن أشتري أي شركة في تركيا".

وتتجه شركة هايدلبرغ سيمنت الألمانية للأسمنت، التي تمتلك حصة رئيسية في مجموعة أكانسا التركية لإنتاج مواد البناء، إلى تعليق خططها الاستثمارية الجديدة في تركيا.

يقول رئيسها برند شايفله إنه رغم الفرص الجيدة المتاحة، فإنهم لن يعقدوا أي صفقات شراء جديدة في تركيا.

توقف الاستثمارات

وبدا رئيس قطاع التجارة الخارجية في غرفة التجارة والصناعة الألمانية فولكر تراير، واضحاً: "إذا لم يتغير الموقف السياسي في تركيا، سيكون من الصعب إقناع الشركات الألمانية بضخ استثمارات جديدة".

الأمر المؤكد أن حركة تجارة ألمانيا مع تركيا تتراجع منذ منتصف 2016، وحسب تقديرات غرفة التجارة والصناعة الألمانية، فإن الصادرات الألمانية إلى تركيا تراجعت في النصف الأول من العام الحالي 10% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.

وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن هذا يعني انخفاض قيمة الصادرات الألمانية بملياري يورو أيضاً، حسب تراير.

وأضاف تراير أن عدد الاستفسارات التي تلقتها غرفة التجارة الخارجية في اسطنبول عن فرص الأعمال الجديدة في ألمانيا تراجع بشدة أخيراً.

وقد تصبح الأمور أشد خطورة إذا نفذ وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريل تهديده بمراجعة عمل مؤسسة هيرمس لضمان التأمين على المشاريع الألمانية في تركيا.

يذكر أن ضمانات الاستثمار التي توفرها مؤسسة هيرمس، تساعد في حماية الشركات الألمانية في حالة تعثر عملائها في تركيا، وتوقفهم عن سداد التزاماتهم لهذه الشركات.

ويُمكن للخطوة أن تقلص بصورة أكبر رغبة الشركات الألمانية في الاستثمار في تركيا.

وعلمت وكالة الأنباء الألمانية، أن هذه المراجعة لم تبدأ بعد.

هدوء ظاهري
يقول باوير إن ارتفاع حدة التلاسن بين برلين وأنقرة لم يؤثر حتى الآن على الصفقات، والتعاملات التجارية القائمة، وما زال التعاون بين الشركات الألمانية وشركائها الأتراك في حالة جيدة.

وأضاف "في هذه اللحظة يسير النشاط الاقتصادي في تركيا المعتاد. لا شيء تغير في الحياة اليومية بالنسبة لي كرجل أعمال".

ويبدو أن الأرقام الرسمية الصادرة من أنقرة تؤكد هذه الصورة، حيث ينمو الاقتصاد التركي رغم الاضطراب.

وزاد معدل النمو خلال الربع الثاني من العام الحالي 5% عن النمو المسجل قبل محاولة الانقلاب، ما يعني احتفاظ تركيا بمكانها بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.

بيانات مزورة
لكن بعض الاقتصاديين يشككون في مدى دقة هذه البيانات التركية.

ويقول المحلل الاقتصادي في كوميرتس بنك لوتس كاربوفيتس": "أعتقد أن هذه البيانات خاضعة لتأثيرات سياسية"، معترفاً في الوقت نفسه بالافتقار إلى دليل ملموس على التلاعب بهذه البيانات، وإن كانت هناك أسباب للشك.

وأضاف أنه بعيداً عن الأرقام الرسمية لقطاع السياحة التركي، فإن بيانات الاستثمار غير ذات مصداقية عند مقارنتها بالأرقام الدولية الموثقة.

فتراجع قيمة الليرة التركية، يعد دليلاً على أن الاضطرابات السياسية في تركيا تؤثر على الاقتصاد التركي.

ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة، فقدت الليرة حوالي ثلث قيمتها أمام اليورو.

واستمر تراجع للعملة التركية، في أعقاب تزايد التوترات السياسية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تراجع الليرة إلى مستوى قياسي في أغسطس (آب) الماضي.

ويمثل انخفاض قيمة العملة سلاحاً ذا حدين بالنسبة لتركيا.

ففي حين تزيد القدرة التنافسية للصادرات نتيجة انخفاض قيمة العملة، يزيد الانخفاض من كُلفة الواردات ، في الوقت الذي تزيد فيه واردات تركيا، عن الصادرات منذ أكثر من 10 سنوات.