منحوتات لمنى السعودي.(أرشيف)
منحوتات لمنى السعودي.(أرشيف)
الإثنين 25 سبتمبر 2017 / 19:57

منى السّعودي... جدل الرسم والنحت

النحت في فنّ منى كما بدأ، لم يكن بعيداً عن الرسم .العلاقة بين الرسم والنحت علاقة تمرئٍ ومحاكاة

منى السّعودي نحّاتة أوّلا وهي من جيل من النحّاتين هيمن على النحت. منى، كما يدلّ معرضها الأخير في "غاليري صالح بركات - بيروت" ليست نحّاتة فحسب، إنّها أيضاً رسّامة و شاعرة فضلاً عن كونها مترجمة ومزيّنة نصوص لأدونيس ومحمود درويش وسان حون بيرس وآخرين. أدبيّة منى السّعودي ليست موضع سؤال. كذلك فإنّ توزّعها بين الرسم والنحت، كما نشهد في المعرض، يكاد يكون متساوياً. فقد اكتست جدران القاعة الفارهة الّتي حلّت محلّ مسرح قام لعدّة سنوات قبل أن ينتقل إلى مكان آخر، إكتست بالرسوم فيما ملأت المنحوتات القاعة الشاسعة.

على رغم العناية بالرسوم والتجديد فيها، وهو تجديد مقلوب في الزمن، فرسوم السّعودي المجدّدة التي تستحقّ أن تكون لوحات لدخول اللون عليها، وليس أيّ لون بل هو الأكريليك المشغول بدراية وحرفة و بكيمياء لونيّة تحوّر الألوان وتعطيها كثافة ونزفاً.هذه اللوحات التي يغلب عليها التسطيح الهندسيّ الّذي، سوى في مرّات قليلة، يوفّر بساطة وإيقاعات حسابيّة. الأمر الذي يدعو إلى تذكّراالقاعدة الموندريانية، بدون أن يتجاوز التذكير هذا الحدّ.

على رغم الحضور الباهر للرسوم واللّوحات تبقى الأوليّة للنحت إذ لا يغيب هنا أنّ الرسم من هوامش النحت. فنحن لانتأمّل رسمة إلّا ونتوقّع منها أن تكون مشروعاً نحتيّاً. وقد يسبقنا هذا التوقّع ويغلب علينا فنقرّر من دون تمّلٍّ دقيق ودراسة أنّ ما تفعله منى السّعودي في رسمها لا يعدو أن يكون مشاريع نحتيّة. في هذا قدر من المبالغة. بالطبع يمكن تنفيذ معظم رسوم منى في مشاريع نحتيّة، فالمبدأ الّذي يسيّر الرسم هو تقريباً ذاته الّذي يسيّر النحت، حتّى الرؤيا هي ذاتها. تقاطع خطوط مستقيمة في أشكال هندسيّة هي أحياناً صنو المنحوتات. بعض الرسوم هي بدون شكّ منحوتات على الورق، لكنّ بعضها الآخر وهو غير قليل، يوحي بتهوبمات شاعريّة كرفات أجنحة في الفضاء، أو يوحي بأشكال نباتيّة تتخلّق في باطن الأرض.

 فالورقة المرسومة هي ما يبنى عليه الرسم وأشكاله. إنّها بالنسبة إلى الرسمة الأرض فيما أنّ المنحوتة تنشأ من فراغ وتنبني فوق فراغ. الورقة مكان جاهز، إنّه المكان بالمطلق مهما كان حجمه. الرسمة تنشأ في الأرض التي هي الورقة وتنشىء عليها مساحات وفراغات وأشكالاً مسطّحة غالباً، وللرسم في علاقته بالورقة ما يختلف عن النحت في علاقته بالفضاء. الورقة بناء أوّل يقوم عليه وفي داخله ابنية أخرى وليس هذا شأن النحت.

النحت في فنّ منى كما بدأ، لم يكن بعيداً عن الرسم .العلاقة بين الرسم والنحت علاقة تمرئٍ ومحاكاة. والمتأمّل يحسّ فوراً أنّ شبه الرسم بالنحت قد يكون هو ذاته، ولو من ناحية أخرى، شبه النحت بالرسم بين الإثنين لا يكاد يكون المبدأ نفسه والرؤيا ذاتها . هناك في النحت تسطيح الرسم ذاته. في بعض المنحوتات لا نجد قفاً للمنحوتة، بعض المنحوتات الّتي تعتمد على لون الصخر نجدها مؤلّفة من دفّتين فحسب، خاصةً إذا توهّمنا أنّه الأقدم وبنينا على هذا التوهّم تاريخاً كاذباً لفنّ منى، فقد حسبنا أنّ المنحوتات المسطحّة تعود إلى عهد بعيد وأنّ أضافة بناء للّوحة يشملها من كل جهاتها هو أمر جديد في فن منى وكذلك الأشكال الدائريّة . لكنّنا بعد مراجعتنا التواريخ في البروشير نفاجأ بأنّ المنحوتتين المسطّحتين تقريباً تعودان إلى العام1917 بينما المنحوتات الدائريّة والمبنيّة تعود إلى سنوت1998. هكذا يخدعنا التاريخ، وفي الحقيقة تخدعنا أنفسنا لكنّ للتاريخ الوهميّ الذي صنعناه مع ذلك فائدته. إنّه من وحهة نقديّة تقويم نقديّ للمعرض. وتاريخ مبنيّ على نظرة للإبداع، ايّا تكن عناصرها، فهي اقتراح قراءة وقد تكون هذه القراءة سريعة وغيرذات دراية، إلّا أنّها مع ذلك قراءة مهتمين لم يفتهم حضور المعرض، وعلى الفنّانة أن تتراسل مع هذه الوجهة وأن تتفاوض معها.