مدخل مدينة الرقة السورية.(أرشيف)
مدخل مدينة الرقة السورية.(أرشيف)
الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 / 18:31

لا مدينة قديمة في الرقة ولا مربعاً أمنياً لداعش

عدم اهتمام داعش بالرقة فيشبه عدم اهتمامه بالمناطق الي خسرها قبل الرقة، وعدم اعتباره من تراجع قدرته الدفاعية عن تلك المدن، ومكابرته في محاولة الدفاع عنها على الرغم من أن نتائج المعارك كانت معروفة مسبقاً بسبب اختلال ميزان القوة

حتى يوم 23 سبتمبر (أيلول) الجاري، أفاد نشطاء مدنيون أن المناطق المتبقية تحت سيطرة تنظيم داعش في مدينة الرقة تشمل شارع القطار المرصود نارياً من قبل "قوات سوريا الديمقراطية"، وشارع مديرية الكهرباء، ومحيط بناية الجميلي المرصود في قسم منه نارياً من قبل قسد، وحارة البدو، والمنطقة التوسعية، ودوار النعيم المرصود نارياً من قبل تنظيم داعش.

وهذه المعلومات المنشورة على صفحة "الرقة تُذبح بصمت" على فيس بوك، وعلى فرض أنها صحيحة، تنسف تصريحات "قسد" حول سيطرتها على 80% من المدينة، فالأحياء المذكورة تحتل مساحة أكبر بكثير من 20% من مساحة المدينة.

والمنطقة التوسعية وحدها، وهي أكبر من حي، وتضم حي الجميلي، وحي الفردوس، ومحيط "حديقة البجعة"، وصولاً إلى أطراف الدرعية، تشكل ما يقرب من 20% من مساحة الرقة. هذا دون أن نشير إلى أن معظم حي رميلة لايزال خارج سيطرة قسد، ودون التنويه أن منطقة "الفرقة 17"، وهي تحت سيطرة داعش، تقع خارج المخطط التنظيمي شمال المدينة.

هذا التضارب في الأخبار حول الوضع العسكري في المعركة التي لم تحدث إلى الآن بين قسد وداعش، فتح باب التندر المر من أن يكون النبأ التالي أن قسد تخوض معركة في حي الصناعة، أو معركة في حي سيف الدولة، للقضاء على جيوب داعش هناك بعد إعلان تحرير هذه المناطق منذ أسابيع.

هنالك أخبار أيضاً حول استثناء حارة الأكراد شمال خط القطار، وجنوبه، من قصف طيران التحالف. هذا طبيعي، كون قسد هي من تزود طيران التحالف بالإحداثيات. أما غير الطبيعي فهو ألا يكون داعش مدركاً أن هذا الحي محمي بطريقة ما، وأنه على الأغلب خال من سكانه، ويمكن الاحتماء به وخوض حرب شوارع فيه، فمعظم أكراد الرقة غادروها هرباً من داعش منذ منتصف 2014، مثلهم مثل معظم سكان المدينة والنازحين إليها، وعلى الأقل نسبة المغادرين من أكراد الرقة توازي نسبة المغادرين من بقية مكونات المدينة.

وبالقياس إلى النسب المعلنة من الناطق الرسمي باسم "قسد" عن مناطق السيطرة، والتقديرات عن العدد المتبقي من داعش في حدود 200 عنصر، يتوقع أن ينتهي القتال بشكل مفاجئ، دون أسرى أو قتلى من داعش، كما حدث في عين العرب – كوباني، وتل أبيض، ومنبج، والموصل، لأن المعيار هو حجم اللحى فقط. والهيئة المشعثة التي اشتُهر بها عناصر داعش في زمن تمددهم يكفي الآن لإزالة آثارها حمَّام وحلاق، ليعود صاحبها بشراً سوياً، ومن يُقتل قبل أن يتمكن من ذلك ستعتبره قسد داعشياً حتى لو لم تكن جثته تلبس التنورة الأفغانية.

على كل حال، ظاهرة اللحية في زمن الحرب على سوريا طاغية حتى عند غير الإسلاميين، وغير الإسلامويين، لكن لحى داعش كانت الأكبر حجماً، والأكثر بشاعة، على الأقل كما نقلها لنا الإعلام، إمعاناً في تقبيح وجوه عناصر التنظيم الذي لا يحتاج منتسبوه إلى دلائل على قبح نفوسهم وأفعالهم.

الملاحظ أن التسميات والاصطلاحات الإعلامية حول الرقة تتخبط كأن الرقة اكتشاف جديد لا يعرفه أحد، فتعبيرات جغرافية مثل "الرقة القديمة" هو اصطلاح جديد كلياً، ولا وجود لما يدل عليه على الأرض، فأقدم بيوت الرقة لا يزيد عمرها على مئة سنة باستثناء أطلال سور الرافقة، ومسجد المنصور داخله. كما أن تعبير المربع الأمني لداعش غير دقيق، كون مقرات التنظيم موزعة في عدد من الأحياء المتباعدة، على الأقل في السنة الأخيرة، وخاصة بعد تدمير الطائرات الروسية لمبنى المحافظة الذي كان داعش يستخدمه لإدارة "دولته". بل إن اسم الرَّقَّة نفسه لايزال يُلفَظ خطأً في كثير من محطات التلفزيون على أنه "الرِقَّة". وكان من المفارقة أن تصبح المدينة علماً بدلالة داعش فقط، لكنها لاتزال خارج الاهتمام الدولي من حيث هي سكن لمئات الآلاف من السوريين، وخارج اهتمام أبنائها الذين هجروها مجبرين، نازحين ولاجئين، خوفاً من داعش، وسعياً وراء رزق أطفالهم ومدارسهم، بل خارج اهتمام داعش نفسه الذي أوحى أنها عاصمته في سوريا من باب سيطرته المطلقة عليها مقارنة مع سيطرة منقوصة على ديرالزور، ومقارنة مع عدم أمانه في الموصل بوجود تهديد عراقي- تركي- إيراني كردي لوجوده في المدينة. أما عدم اهتمام داعش بالرقة فيشبه عدم اهتمامه بالمناطق الي خسرها قبل الرقة، وعدم اعتباره من تراجع قدرته الدفاعية عن تلك المدن، ومكابرته في محاولة الدفاع عنها على الرغم من أن نتائج المعارك كانت معروفة مسبقاً بسبب اختلال ميزان القوة لمصلحة "قوات سوريا الديمقراطية" على الأرض مدعومة من طيران التحالف.

وبالعودة إلى منطقة الأرقام والنسب المئوية، فالصحيح المؤكد هو القتلى والجرحى من المدنيين بمقذوفات طائرات التحالف، ومدفعية قسد، دون وجود ما يدعم صحة الأرقام نتيجة غياب الهيئات المدنية المستقلة، والإعلام المستقل، ومنظومات الإسعاف. ومنذ بدء المعركة في التاسع من يونيو (حزيران) الماضي وحتى 16 سبتمبر (أيلول) الجاري، أي خلال 100 يوم من المعركة، وحسب موقع "الرقة تُذبح بصمت"، استشهد في مدينة الرقة 1463 مدنياً، بينما أُصيب آلاف المدنيين بجروح.

أما ما لا يمكن التأكد منه فهو حجم الدمار في المنازل والبنية التحتية، إذ تتفق جميع المصادر على الدمار الكبير، لكن النسب تتفاوت بين 60%، و80%، وهنالك من يقول أن الرقة كلها تساوت بالأرض، على خلاف ما تقول الصور الشحيحية التي تصلنا من هناك.