زنجبيل.(أرشيف)
زنجبيل.(أرشيف)
الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 / 18:32

نقد كتاب (الطب النبوي) لابن القيم (2)

دأب ابن القيم على تشخيص أمراض مرّ على وفاة أصحابها مئات السنين وهو الذي لم يُعرف عنه ممارسة الطب أبداً، فقد شخّص إصابة النبي ص بمرض الشقيقة لأنه كان يمكث اليوم واليومين بدون أن يخرج من بيته

تُعد الأقوال الشاذة طبياً سمة بارزة في كتب الطب النبوي لاسيما كتاب ابن القيم منها، فعندما يذكر فوائد المعاشرة الجنسية فإنه يخترع مضار تركها وينقل أن (من ترك الجماع مدة طويلة ضعفت قواه العصبية وانسدت مجاريها وتقلص ذكره)، فهل يُمكن اعتبار هذا الكلام من الطب النبوي لأن موضوع الكتاب هو الطب النبوي؟ ثم يسترسل بعيداً في طبه ليحذر الرجال من معاشرة العجوز والصغيرة والمريضة والقبيحة والبغيضة لأن ذلك يُضعف القوى، ثم ينقل خلافه مع الأطباء الذين جعلوا جماع الثيب أنفع صحياً من جماع البكر ويقول إن هذا قياس فاسد يخالف ما عليه عقلاء الناس ولما اتفقت عليه الطبيعة والشريعة.

يسرد ابن القيم حديث (أن النبي عليه السلام قاء فتوضأ فلقي أحد الرواة ثوبان في مسجد دمشق فذكر له ذلك فقال صدق أنا صببت له الوضوء)، وإذا بابن القيم يسرد أسباب القيء العشرة ثم يتبعها بفوائده، فهو ينقي المعدة ويقويها ويحد البصر ويزيل ثقل الرأس وينفع قروح الكلى والمثانة والأمراض المزمنة كالجذام والفالج والرعشة، ثم ينصح ابن القيم بالتقيؤ مرتين في الشهر وأنه أنفع في البلاد الحارة كبلاد العرب كما أن الإسهال أنفع في البلاد الباردة، ولا ندري من أين استقى ذلك؟ وبأي دليل ينسبه إلى الطب النبوي ثم يستدل له بحديث لا يدل لا من قريب ولا من بعيد على ما أراد؟ وكل ما في الحديث أنه خبر عن قيء النبي وليس فيه ذكر لفوائده.

يذكر ابن القيم أن أحد أسباب مرض الكبد هو عب الماء عبّاً لأنه قد علم بالتجربة أن ورود الماء جملة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها فلذلك يجب شرب الماء بالتدريج، ثم يذكر حديثاً مكذوباً وهو أنه (إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصاً ولا يعب عباً فإنه من الكباد)، وكثيراً ما ترى هذه المعلومة بالذات يتداولها الناس على صفحات الإنترنت وكأنها نصيحة مقدمة من منظمة الصحة العالمية مع أنها خزعبلات لا أساس لها من الصحة، وكل من درس شيئاً من علم التشريح والأعضاء يدرك ذلك تماماً.

ذكر المؤلف أحاديث عجيبة مثل حديث (كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا نظر إلى ابن آدم يأكل البلح بالتمر يقول: بقي ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق)، فلا أدري لماذا يغتاظ الشيطان إذا أكل إنسان البلح بالتمر؟ وما وجه جعل هذا الحديث ضمن فصول الطب النبوي؟ وما هي فائدته الطبية والعلاجية؟ وذكر ابن القيم الزنجبيل في ضمن كتابه وصدّر كلامه بآية (يسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً)، فلم أدرك سبب الاستدلال بهذه الآية - التي تصف حال أهل الجنة -على قدرات الزنجبيل المقدسة في علاج مرضانا في الدنيا، ثم أتبع المؤلف الآية بحديث (أهدى ملك الروم إلى رسول الله جرة زنجبيل فأطعم كل إنسان قطعة)، ثم ذكر فوائد الزنجبيل العلاجية، ولقد أعياني البحث عن رائحة هذا الحديث في كتب السنة الصحيحة والمكذوبة حتى رأيت الذهبي في كتابه "ميزان الاعتدال" يقول إن إهداء الزنجبيل من الروم إلى الحجاز شيء ينكره العقل مثل إهداء الروم التمر إلى المدينة المنورة.

يذكر ابن القيم فصلاً في علاج داء الحريق وإطفائه وهو يقصد هنا علاج حروق الجلد، ثم يذكر حديثاً مكذوباً آخر أن رسول الله قال: (إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفؤوه)، ويعلل ذلك بقوله إن الحريق سببه النار وهي المادة التي خلق منها الشيطان فيكون خمود النار والشيطان بالتكبير، ولا أعرف ما هو الرابط المنطقي بين حديث مكذوب يتحدث عن الحرائق وبين علاج جلد محروق، فأثر الحرق على الإنسان مادي وهو بحاجة إلى أدوية خاصة وضمادات وربما نقل جلد، وليس بحاجة إلى قمع شيطان النار كما يتصور ابن القيم ويدلل عليه بأحاديث ضعيفة.

ذكر ابن القيم حديثاً مكذوباً آخراً وهو أن طلحة دخل على رسول الله وبيده سفرجلة فقال له (دونكها يا طلحة فإنها تجم الفؤاد)، ثم بنى عليها جميع فوائد السفرجل من تسكين العطش والقيء وإدرار البول وتعقيل الطبع وعلاج قرحة المعدة والغثيان، والتي لم أدرك كيف استقاها من هذا الحديث وكيف ألحقها بموضوع الطب النبوي، وهذا هو ديدن المؤلف في بنائه لفكرة قدسية الدواء عن طريق الأدلة الضعيفة أو عن طريق أدلة صحيحة لم تدل إلى ما ذهب إليه لا تصريحاً ولا تلميحاً.

كذلك دأب ابن القيم على تشخيص أمراض مرّ على وفاة أصحابها مئات السنين وهو الذي لم يُعرف عنه ممارسة الطب أبداً، فقد شخّص إصابة النبي ص بمرض الشقيقة لأنه كان يمكث اليوم واليومين بدون أن يخرج من بيته، صحيح أن البخاري أخرج أن رسول الله احتجم من الشقيقة لكن لا نستطيع أن نجزم بهذا التشخيص -الذي ذكره أحداً الرواة- لمجرد أن رسول الله اشتكى من صداع، فربما إلتبست أعراض الصداع العادي مع الشقيقة فظن الراوي أنها الشقيقة، ثم يورد ابن القيم حديثاً يعترف أن في صحته نظر ليستدل به على علاج الصداع بالحناء، فإذا كان الحديث ضعيفاً فلماذا يواصل المؤلف وصف الحناء للناس؟ وما هو أساسه العلمي على هذا الادعاء؟ وربما ذلك ينسحب على أغلب ما في الكتاب الذي أحرى به أن يفقد قيمته العملية اليوم وينتقل إلى رفوف تاريخ الطب الذي يُروى ولا يُعمل به.