لافتة كتب عليها ولاية الرقة.(أرشيف)
لافتة كتب عليها ولاية الرقة.(أرشيف)
الأحد 8 أكتوبر 2017 / 19:58

نذكرُ داعش والعار لمروّجيه!

بما أننا نعيش في زمن الصورة، والإنترنت، وإمكانية توثيق المعلومات وسهولة الحصول عليها، فإن ما يستحق التذكير، اليوم، يتجلى في حقيقة أن البعض حاول تسويغ محاولة الدواعش لإنشاء دولة، بل وتسويقها، وتعزيزها بالمرافعات السياسية والقانونية

بعد ظهورهم المفاجئ، في سوريا والعراق، تبدو شمس الدواعش على وشك المغيب. هذا لا يعني أن الأيديولوجيا الإجرامية والأيادي التي حرّكت هؤلاء ستختفي في وقت قريب، ولا يعني أنهم لن يتمكنوا من تسديد ضربات موجعة من وقت إلى آخر في مناطق مختلفة، بل يعني أن مشروع إنشاء دولة بربرية على أنقاض دول قائمة قد انتهى.

لا يحظى موضوع دولة الدواعش بما يستحق من اهتمام. فهؤلاء أرادوا، فعلاً، إنشاء دولة لهم على أنقاض سوريا والعراق. ولم يقتصر الأمر على الاسم الذي اختاروه لكيانهم السياسي الجديد، بل تجاوزه إلى حد صك عملة ذهبية، وإصدار جوزات سفر، وبطاقات هوية، وإنشاء إدارات خدمية في كل منطقة تمكنوا من احتلالها، ناهيك عن التقسيمات الإدارية، وتغيير مناهج التعليم، وإعلان قيام ولايات تابعة خارج البلدين.

وبما أننا نعيش في زمن الصورة، والإنترنت، وإمكانية توثيق المعلومات وسهولة الحصول عليها، فإن ما يستحق التذكير، اليوم، يتجلى في حقيقة أن البعض حاول تسويغ محاولة الدواعش لإنشاء دولة، بل وتسويقها، وتعزيزها بالمرافعات السياسية والقانونية.

ولا نعني بالبعض جماعات سريّة تعيش تحت الأرض، وتسوّق دعواها ودعايتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل بعض العاملين في حقلي السياسة والإعلام في العالم العربي وخارجه. لم يجرؤ هؤلاء على تأييد الدواعش بطريقة مباشرة، بل فعلوا ذلك تحت قناع الحياد والموضوعية، وبطرق ملتوية دائماً تبدأ بماذا نُسمّي الدواعش، وتنتهي بالمسوغات القانونية التي تبيح اعتبارهم دولة كغيرها من الدول.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالاسم فقد قبلوا بالأسماء التي اختارها الدواعش لأنفسهم من نوع "الدولة الإسلامية" و"دولة الخلافة" بدعوى أن الصحافة الأجنبية تميل إلى استخدام تعبيرات كهذه. والواقع أن التداعيات الدلالية لأسماء كهذه لا تحيل إلى الأشياء نفسها في اللغة العربية واللغات الأوروبية الحديثة. ففي العربية، مثلاً، لتعبيرات من نوع الدولة الإسلامية، والخلافة، تداعيات إيجابية ووثيقة الصلة بالمخيال الثقافي والتاريخي في العالمين العربي والإسلامي. أما في اللغات الأوروبية فإن التداعيات المحتملة لتسميات كهذه تتراوح ما بين السلبية والحياد البارد في أفضل الأحوال.

ولعل في حقيقة كهذه ما يُفسّر، أيضاً، لماذا لجأ بعض المعلُقين العرب إلى استخدام تعبير "الدولة اللا إسلامية" أو دولة "الخلافة المزعومة" عند كلامهم عن الدواعش، وذلك لتقليص كل احتمال لتداعيات إيجابية في هذا الشأن.

ومع ذلك، تجلى ما هو أخطر من دعوى الحياد لأسباب لغوية ومهنية، في محاولة تسويغ الدولة الداعشية نفسها. وقد كرّس أحدهم، وكان في وقت مضى من نجوم "الجزيرة" القطرية، كتاباً كاملاً نشره بالإنكليزية أولاً، وبالعربية ثانياً، لعرض واستعراض نشوء الدواعش، والأهم من هذا وذاك للقول إنهم دولة بالفعل لأنهم يسيطرون على مساحة من الأرض تفوق مساحة بريطانيا، ولأن حقائق وجودهم على الأرض تنسجم مع متطلبات القانون الدولي بشأن نشوء الدول، التي لا تحتاج حتى لاعتراف الآخرين بها.

ولسنا، هنا، في صدد العودة إلى ما أثاره مختصون في القانون الدولي (وهم أكثر علماً من صاحبنا بالتأكيد) بشأن لا مشروعية الدولة الداعشية، بل التدليل على حقيقة أن أصداء الكلام عن داعش بوصفها دولة ترددت بكثافة عالية بالعربية ولغات أوروبية مختلفة، في منصّات إعلامية مختلفة، بعد سقوط الموصل، وإعلان خلافة الدواعش.

ومع ذلك، بعد نشوء التحالف الدولي، واتضاح حقيقة أن أحداً من النافذين في الإقليم والعالم لن يقبل بوجود الدولة الدعشية، انتقل التركيز من مشروعية الدولة الداعشية، وكونها أكبر مساحة من دول أوروبية، إلى مرافعة من نوع: "إذا قضينا على الدواعش فمّن سيحل محلهم"، "هؤلاء أشرار، ولكن مَنْ سيحل محلهم ليس أفضل منهم". وكان الغرض من مرافعة كهذه تمكين الدواعش من مزيد من الوقت، وزعزعة الضرورات العملية للتحالف الدولي.

على خلفية كهذه، وفي اللحظة التي تبدو فيها شمس الدواعش وقد أوشكت على المغيب، فلنتذكّر أن البعض في العالم العربي، وخارجه، حاول تسويق بضاعة الدواعش، والدفاع عنهم بطريق ملتوية، وأن في محاولة كهذه ما يعني سقوطاً أخلاقياً ومهنياً مُروّعاً، إذا جاز لأصحابه نسيانه، أو تناسيه، فلا يحق لغيرهم ذلك.