صورة رمزية.(أرشيف)
صورة رمزية.(أرشيف)
الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 / 20:01

كتب الطب النبوي في القرن العشرين

جعل المؤلف من نهي الرسول عن الجلوس بيد الظل والشمس من الأوامر النبوية التي لها علاقة بالتربية الرياضية والبدنية التي لها علاقة بالطب. والنوم الذي يمارسه جميع البشر قبل وبعد الإسلام، جعل منه المؤلف - وبسبب فوائده الصحية الكثيرة - أحد دلائل الإعجاز النبوي

بعد تقديم نقد مقتضب لكتاب ابن القيم في الطب النبوي، كان من المناسب تقديم نقد آخر لكتاب حديث الصنع حتى يعلم القارئ أن ماكينة إعادة إنتاج التراث الطالح مازالت تجري على قدم وساق. فبين يدي نسخة مطورة لكتاب ابن القيم واسمه (الطب النبوي في نسيجه الجديد) بقلم الدكتور عبدالباسط الدرويش، والذي قدمه لنيل درجة الدكتوراه في كلية الشريعة في بغداد في عام ١٩٩٦، ولا شك أن الكتاب كُتب في فترة حصار غاشمة على الشعب العراقي، ولذلك اعترف المؤلف بصعوبة الحصول على بعض المصادر، لكن ما يميز هذا العمل أنه مشفوع بشهادة ثلاثة أطباء، منهما اثنان أخصائيا باطنية وثالثهما أخصائية نساء وتوليد، وقد أوصى مؤلفه في نهاية الكتاب بتدريس مادة "الطب النبوي" ضمن مادة طب الأعشاب في كليات الطب والشريعة.

أحصى المؤلف عدد الأحاديث النبوية في الطب فوجدها ٥٢٥ حديثاً يُحتج به بين فئتي الصحيح والحسن سنداً، ولقد وسع المؤلف مفهوم الطب النبوي ليشمل الأغذية الواردة للتمثيل اللغوي كالنخلة والحنطة، أو الواردة في سياق الأكل كالبطيخ، أو الواردة في سياق الألبسة كالحرير، بل حتى ما استخدم في التطيب كالمسك جعله داخلاً في مفهوم الطب النبوي، ذكر المؤلف أعضاء الإنسان الواردة على لسان رسول الله كالفخذ والركبتين والكعبان والقدم والجلد والمفاصل والأصابع والأظفار والظهر والذكر والبيضتين والعظام واللحم والمقعد والرحم والإبط والبطن والأمعاء والفرج والأنف والشعر والأضراس والعنق والوجه، وجعلها من ضمن الإعجاز التشريحي الذي سبق به النبي ص الأطباء القدماء والحدثاء، حيث إنه عد مجرد ذكرها في حديث نبوي يعد سابقة علمية فذة، مع العلم أن هذه الأعضاء هي نفسها الأعضاء الدارجة في لسان العرب، فالكعب عندهم هو نفس الكعب الذي يفهمه رسول الله من كلام العرب.

يعترف الدكتور الدرويش أن رسول الله لم يقل أنه "طبيب" أو عنده منهج محدد في الطب، ثم يقول في موضع آخر إن من يقول إن الطب النبوي فيه معلومات بدائية ليس فيها تفصيل يعد إما حاقدٌ على الإسلام أو جاهلٌ بأحكامه. ذكر المؤلف أوامر نبوية في الصحة البيئية والنظافة ومنع انتشار الأمراض المعدية ومكافحة الحيوانات الناقلة للأمراض، وتنظيم التغذية والتربية الرياضية والجنسية والصحة المهنية والرخص الطبية. ومع أن هذه العناوين الصحية العريضة تحمل في طياتها العديد من اللمحات المستحسنة ذوقاً وحساً، إلا أن المؤلف شط في استنباط الإعجاز من الأوامر النبوية، فجعل من فوائد الوضوء الطبية تنشيط الدورة الدموية، وجعل من بين المعجزات الاهتمام بنظافة أواني الطعام والشراب والثياب والبيوت والمساجد والشوارع وأماكن المياه، وجعل من الرقية الشرعية أساساً لما نسميه اليوم بالتطعيم ضد المايكروبات والجراثيم.

جعل المؤلف "التجشؤ" المنهي عنه في الحديث حالة مرضية، مع أنه لا يوجد في قاموس الأطباء مرض اسمه التجشؤ، لكن التجشؤ قد يكون علامة على اضطراب في المعدة وقد لا يكون، فنهي النبي ص عن التجشؤ ليس فيه دلالة إعجازية، بل غاية ما يفهم من الحديث هو مراعاة الذوق في الطعام، حيث أن المتجشئين عادة هم أولئك الذين يسرفون في الطعام إلى حد التخمة. ولذلك جاء الحديث (كف جشاءك عنا فإن أطولكم جوعاً يوم القيامة أكثركم شبعاً يوم القيامة)، كذلك جعل المؤلف لأمر النبي ص أصحابه بالأكل باليد اليمين علة طبية، وهي أن اليد اليسرى كثيراً ما تحمل ديدان "الإكسورس" لا سيما بعد الاستنجاء. أما اليمنى فينبغي ألا تحمل هذه الميكروبات، وهذا شطط في لي عنق النص من أجل خلق حالة وئام مع الواقع، فنحن نعلم أن استخدام الناس لأياديهم يختلف عن بعضهم البعض على حسب العرف وطبيعة العمل، ومع تقدم التقنيات الصحية الحديثة صارت كلتا اليدين يمين، فهل هذا مسوغ لإباحة الأكل بالشمال ما دامت علته الطبية معقولة المعنى؟

أيضاً ذكر المؤلف حديث (نهي عن الطعام الحار حتى يمكن)، واستنبط أن الهدف من هذا الإرشاد هو الحفاظ على اللثة واللسان وحفظ الإنسان من الوفاة، ومع أن عدم أكل الطعام الحار حتى يدفأ هو طريقة أغلب الناس لعدم إطاقتهم لذلك، فأين يكون الإعجاز في أمر بديهي يفعله ويعرفه كل الناس؟ وأعاد الكرة مع الصلاة حين اعتبرها تزيل الكسل والخمول، وتجدد الدورة الدموية، وتنشط الجسم، وتفتح الشهية وتقوي عضلات الظهر والمعدة وتقاوم السمنة. وتعمل الصلاة أيضاً على خفض الضغط العالي وتزيل التوتر العصبي، بل وجعل المؤلف الصلاة والسجود الطويل نافعين لمن أصابته النزلة الشتوية، حتى المبارزة ربطها المؤلف بالطب النبوي مستدلاً بلعب أبناء الحبشة بحرابهم في مسجد رسول الله، حيث جعلها من الدلالات الطبية في الشريعة، حيث تقوم هذه "اللعبة" بتنمية عضلات الكتف والجذع.

جعل المؤلف من نهي الرسول عن الجلوس بيد الظل والشمس من الأوامر النبوية التي لها علاقة بالتربية الرياضية والبدنية التي لها علاقة بالطب. والنوم الذي يمارسه جميع البشر قبل وبعد الإسلام، جعل منه المؤلف - وبسبب فوائده الصحية الكثيرة - أحد دلائل الإعجاز النبوي بسبب ورود حديث (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة)، وقال إنه يُكره طبياً نوم الصباح ونوم بعد العصر ونوم ما بين المغرب والعشاء ولم ينقل ذلك عن أحد المتخصصين. وذكر أنه قد ثبت طبياً أن الألبسة الحريرية تحدث انقباضا نفسياً واضطراباً فكرياً عند الرجال وانبساطاً وحبوراً لدى النساء، وهذه هي علة تحريم الحرير على الرجال، ولم يُحلنا على مصدر طبي واحد تركن له النفس.

مما سبق عرضه من كتب الطب النبوي يتبين أن منهج المتقدمين كابن القيم هو التقديس المطلق، أما منهج المتأخرين كالدكتور الدرويش هو التبرير المطلق.