مدنيون يتفقدون ما بقي من منازلهم في الرقة.(أرشيف)
مدنيون يتفقدون ما بقي من منازلهم في الرقة.(أرشيف)
الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 / 19:54

في انتظار نزوح نازحي الرقة إلى مدينتهم

في مدينة منكوبة، تفوح منها رائحة الخراب والموت والخوف، وتلاشت فيها قدرة أبنائها تماماً على الفعل، وسط متاعب النزوح واللجوء، ومناكفات فضاء الفيس بوك، لا أمل لأهلها سوى في انتظار الهبات والمساعدات لمتابعة الحياة

حتى بعد أسبوع من سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية" على الرقة، وإعلان "تحريرها"، لا تزال المدينة مغلقة أمام المدنيين، حيث يبدأ إخلاؤها يومياً من الصحفيين والوفود الزائرة في الثانية ظهراً بالتوقيت المحلي (توقيت دمشق)، لتكون خالية عند الثالثة سوى من عناصر قسد، حيث لم تبدأ بعدُ عمليات تفكيك الألغام المحتملة، والحذر لا يزال قائماً من وجود عناصر من داعش مختبئين في الأبنية المدمرة، وفي أنفاق، خاصة شمال المدينة. وربما يتأخر تفكيك الألغام انتظاراً لإنهاء اللصوص عملهم في تعفيش ممتلكات النازحين، بمصادفة مقصودة.

الأحد، استطاع عناصر من قسد إقناع نحو عشرين من أشبال داعش (أطفال)، بالاستسلام، وفقاً لمصور صحفي كان في المدينة يومها. ولا يمر يوم منذ أسبوع من دون أن يستسلم عنصر من داعش في حالة من التعب والعطش والجوع والخوف.

أما في أطلال المشفى الوطني، فلا يزال الشك قائماً بوجود بعض عناصر داعش هناك. ولأن مبرر تفعيل قصف الطيران قد زال، فقد حضر الخوف من وجود أفخاخ، وهو ما منع قسد من تمشيط بقايا المبنى للتأكد من خلوه تماماً من داعش، دون حاجة لتعفيشه، كون داعش سبق أن فعل ذلك، حيث نقل الأجهزة الطبية في اتجاه شرق ديرالزور منذ شهور.

وحتى في وضح النهار، يكتب صديق مصور على فيسبوك: "كخت" قطة كنمر جائع جريح في وجه صحفي غربي حاول الاقتراب منها، وكادت تهاجمه. فبعد أشهر من العيش تحت أصوات الانفجارات دون ماء ولا غذاء تحتاج حتى القطط إلى التعافي نفسياً والاعتياد على عودة البشر إلى الشوارع الخالية.

جولات الكاميرات المرخصة من قسد للصحفيين والمصورين الممثلين لوكالات الأنباء نقلت حتى الآن صوراً من بُعد للركام، خوفاً من الاقتراب من المباني المدمرة. ووفقاً لتحذيرات وأوامر عنصر قسد المرافق للصحفيين، بينما تنتشر روائح جثث بشرية متفسخة، وربما حيوانية، لم يمنع ركام البيوت انطلاقها مختلطة مع روائح الغبار وروائح المتفجرات التي لم يهضمها هواء المدينة المنكوبة بعدُ.
في هذا الوقت، لا حديث ممكناً عن عودة النازحين في رحلتهم الثانية، أو الثالثة، حيث لا بيوت لنصف العائدين. أما النصف الآخر فسيواجهون صعوبات متفاوتة في بيوت ناقصة الجدران، أو الأبواب والنوافذ، على أعتاب شتاء يتهيأ للقدوم.

قائمة الحاجات الماسة للنازحين حين عودتهم ستكون طويلة، الأهم بينها على الترتيب: سقف وجدران وماء وطعام ودواء وحد أدنى من الأمان مع كهرباء ووسيلة اتصال بالأهل والأقرباء الذين توزعوا في أنحاء الكرة الأرضية، وليس المدرسة، أو السياسة، وهوية الحاكم الجديد.

ففي مدينة منكوبة، تفوح منها رائحة الخراب والموت والخوف، وتلاشت فيها قدرة أبنائها تماماً على الفعل، وسط متاعب النزوح واللجوء، ومناكفات فضاء الفيس بوك، لا أمل لأهلها سوى في انتظار الهبات والمساعدات لمتابعة الحياة، والتقاط أنفاسهم والتداوي من جراحهم النفسية والجسدية. قبل ذلك، لا وقت للحديث عن إعادة الإعمار، أو التنافس بين مجالس مدنية لإدارة المدينة لا داعم لها بالمقارنة مع "مجلس الرقة المدني" الذي أسسته "قسد" المدعومة أمريكياً منذ أبريل (نيسان) الماضي ودربته ومولته، وها هو يبدأ بتلقي وعود الدعم الأوروبية بعشرات ملايين الدولارات.

أما في ما يتعلق بالائتلاف السوري المعارض، أو الأطراف المعارضة الأخرى، فلا صوت لهم كالعادة، ولا تأثير ولا فعل حتى لو اعترضوا على استبعادهم من إدارة المدينة، كون الائتلاف لا يملك الموارد المادية اللازمة لدعم النازحين، أو إدارة المدينة، وكون الكلمة الفصل في ما جرى للرقة، وما سيجري لها، بيد أمريكا صاحبة المال والنفوذ في هذه المنطقة، ولذراعها التنفيذية الممثلة بـ"قسد".

حتى روسيا انتقدت انفراد أمريكا بالقرار في الرقة، بل وأبدت "موقفاً أخلاقياً" غريباً عليها، بقولها على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، إن كثافة الغارات وحجم التدمير لم يكن مبرراً في الرقة، وإن كثيراً من الغارات لم يكن ضرورياً.

بل انتقد كوناشينكوف كلاً من واشنطن وباريس وبرلين التي أعلنت نيتها تقديم مساعدات وأموال بعشرات ملايين الدولارات، لافتاً إلى أن أمريكا ودولاً أوروبية أحجمت سابقاً عن تقديم مساعدات لمدن وبلدات سورية متضررة.

وكانت فرنسا خصصت 15 مليون يورو ستدفعها في نهاية هذا العام لمساعدة المدنيين والنازحين في الرقة. كما ستخصص بريطانيا أكثر من 13 مليون دولار للمدنيين في الرقة، إضافة إلى معدات لرفع الألغام وأدوات وأجهزة طبية.

أما الآن فهو وقت "التعفيش" في الرقة، وحين استطاعت امرأة النجاة من قناصة قسد في أطراف المدينة، ووصلت إلى بيتها، وجدته خالياً حتى من أسلاك الكهرباء داخل الجدران. هذه المرأة كانت محظوظة، فقد قتل قناصو قسد نازحين آخرين حاولوا التسلل إلى بيوتهم، الأربعاء الماضي، ظناً منهم أنهم انغماسيون من داعش جاؤوا في وضح النهار.

أما من يقوم بالتعفيش فهم إما لصوص، أو من عناصر قسد، أكراداً وعرباً، أو ينتمون إلى تحالف بين اللصوص وهؤلاء.