لافتة كتب عليها عمل يشتعلون زالمقصود عمال يشتغلون.(أرشيف)
لافتة كتب عليها عمل يشتعلون زالمقصود عمال يشتغلون.(أرشيف)
الإثنين 6 نوفمبر 2017 / 19:50

عن المفعول به المنصوب عليه

لا نعترض على من يقرأ أخبار القتل والتشريد والتفجيرات وكأنه يمضغ العلكة، ولا يستفزنا الكادر التلفزيوني المتلألئ بالفرح والألوان المبهجة في نشرات الأخبار المكتظة بالحزن وبالغضب، ولكن يثيرنا المساس باللغة نطقاً وكتابة

نخجل من قراءة العناوين المكتوبة على شاشات الكثير من القنوات الفضائية، ليس فقط لما تحمله من محتوى مخجل، ولكن لكثرة الأخطاء الكتابية في هذه العناوين التي تؤكد استخفاف العرب بآخر عنصر حي من عناصر هويتهم القومية، وهو اللغة.

ولعل أكثر ما يستفز المشاهد لهذه الشاشات هو إصرار محرريها على رفع المفعول به، وكأن هناك إجماعاً على أن العربي لا يمكن أن يكون مفعولاً به، ولا يجوز أن يُنصب.. أو يُنصب عليه، رغم أن واقع الحال غير ذلك، أو عكس ذلك، حيث يبدو عربي القرن الحادي والعشرين منصوباً دائماً، أو منصوباً عليه في أحيان كثيرة، وهو لا يرفع إلا في حالة تحضيره لتلقي "الفلقة"، وهي وجبة يومية في سجون العرب العامرة بالمنصوب عليهم الذين خُدعوا بجدوى الحرية وقرروا رفع شعارها فنٌصِبت لهم المشانق، أو الذين نَصَب عليهم شيوخ الظلام فاختاروا الموت بديلاً للحياة، وتحولوا إلى أهداف منصوبة في البلاد لتلقي غضب العباد.

لا شيء يبرر هذا الاستخفاف المخيف باللغة، وليس الجهل باللغة دليلاً على العصرنة والحداثة البائسة التي نرى تجلياتها في ملابس نجوم الشاشات وأدائهم الذي يتفقر إلى الرزانة في زمن الموت والخراب الذي حملته رياح السوء في ربيع العرب.

لا نعترض على من يقرأ أخبار القتل والتشريد والتفجيرات وكأنه يمضغ العلكة، ولا يستفزنا الكادر التلفزيوني المتلألئ بالفرح والألوان المبهجة في نشرات الأخبار المكتظة بالحزن وبالغضب، ولكن يثيرنا المساس باللغة نطقاً وكتابة، ويستفزنا الهروب من الجهل باللغة إلى النطق باللهجات المحكية على شاشات يبدو أنها تحررت من الالتزام بشروط تحرير الخبر والمادة الخبرية، فصارت عناوينها أيضاً أقرب إلى اللهجة المحكية، وصارت أخبارها شبيهة بقصص ما قبل النوم لأمة يراد لها أن تنام.. إلى الأبد.

وحتى عندما يختار هؤلاء أن يكتبوا عناوين الأخبار باللغة العربية، فإنهم لا يخطئون فقط في قواعد النحو، ولكن في الإملاء أيضاً.
لا نبالغ، وقد رأينا على إحدى الشاشات عنواناً تكرر ساعات طويلة عن منح النظام الليبي السابق الجنسية الليبية لابنة عمر بشار الأسد، وكان المقصود طبعا منح الجنسية لابنة عم بشار الأسد. وقرأنا على شاشة أخرى عن علاج لأمراض النخاع الشوقي وهو نخاع مختلف، على ما يبدو، عن النخاع الشوكي، ربما لأن أجسادنا لا تحتمل وخز الشوك!

على شاشة ثالثة كان هناك عنوان عن القبض على ثلاثة صوماليين وخمسة عرب، ربما لأن محرر الأخبار في تلك القناة لا يعرف أن الصوماليين عرب، أو يرفض الاعتراف بعروبتهم.

يجري ذلك، ونحن نؤكد أننا أمة الضاد، ولدينا مجمع للغة العربية ينهمك في تعريب الساندويتش، ويخوض أعضاؤه حروباً بينية وهم يختلفون حول تعريب الشاشة هل هي شاشة تلفزيون أم شاشة تلفاز؟!