من أمازيغ الجزائر.(أرشيف)
من أمازيغ الجزائر.(أرشيف)
الأحد 12 نوفمبر 2017 / 19:41

التعددية اللغوية والأحادية الإسلاموية

التعدد اللّغوي سبب للتّنافس المثمر، والتعدد اللغوي مجال للاستثمار في شتى مجالات الحياة، والتعدد اللغوي إضفاء حيوات على حياة الفرد والمجتمع

في مدينة تيزي وزو بالجزائر، حيث تسمى تلك المنطقة بمنطقة القبائل، سوف تجد نفسك غريب اللسان. فالقوم أكرام، وذوو نخوة. المروءة فيهم ظاهرة، والحمية فيهم بادية لكن ما لا تستبينه هو لغتهم. فهم من الأمازيغ. والأمازيغ في هذه الولاية أكثر من يعتز بلغته. وليس أدل من هذا الاعتزاز من تسمية جامعتهم باسم مولود معمري. ذلك المفكر الذي ناضل بالعربية والفرنسية والأمازيغية من أجل بقاء لغته وهويته الأمازيغية.
 
ومع هذا فرئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر من هذه المنطقة. يدير فيها مخبر الدراسات اللغوية، وكان مؤتمره العام في الأسبوع الماضي بعنوان التعددية اللغوية. وقد كنت هناك.

كنت هناك وفوجئت بموضوع غير مطروق، وبطرح غير مسبوق. سمعت هناك ما لم أسمعه في مؤتمرات اللغة العربية التي أحضرها منذ نيفٍ وعشرين عاماً. لم يتغنَّ أحد بلغة القرآن والبطولات والفتوحات. لم يشتكِ أحد من سيطرة اللغات الأخرى وهيمنتها، لم يدعُ أحد إلى استبعاد اللغة الثانية من مؤسسات التعليم، لم يجترَّ أحد من المتحدثين تجارب الدول في حماية لغتها، أو يكرر ما سمعه في مؤتمرات سابقة من إصرار بعضها على تدريس الطب بلغتها ونجاحها في ذلك. ولم يصر أي من الباحثين على النظر إلى الدراسات التي تمنع تعليم اللغة الثانية قبل تمكن الطفل من لغته الأم ويتجاهل عشرات الدراسات التي ترى أن دماغ الطفل مهيأ لتعلم عدة لغات في آن واحد وبكفاءة تساعد على نمو لغوي وتواصلي ومعرفي ومهاري.

لم أجد أياً من ذلك. لقد وجدت فكراً متفتحاً. فكر أعرفه في العقلية المغربية التي ترى الوسطية في الأمور كلها وتأخذ الأمور جميعها بقوة وفهم. فالتعدد اللّغوي سبب للتّنافس المثمر، والتعدد اللغوي مجال للاستثمار في شتى مجالات الحياة، والتعدد اللغوي إضفاء حيوات على حياة الفرد والمجتمع.

وفي خضم هذا الطرح الجميل، وروح التسامح العلمي المجتمعي واللغوي - الذي لا يقدِّره إلا من عاش سنوات الصراع الدامي بين مكونات ومظاهر الهويتين العربية والأمازيغية في الثمانينات، وما كان من إفرازاتها من عمليات الإرهاب ونهر الدم في عقد التسعينات - أقول في خضم ذلك كله وفي الجلسة التي سبقت الجلسة الختامية، ثمة متحدثة ترفع يدها، وتتحدث من وراء "حجاب".

وبدا لها وهي في مؤتمر "التعددية اللغوية" أن تستشهد بقول يدعم رأيها في "الأحادية اللغوية"، فلم يسعف فكرها الضيق وتفكيرها المنغلق أي رأي تنسبه لسيبويه أو الخليل أو ابن جني، أو حتى تمام حسان أو عبدالرحمن الحاج صالح أو مولود معمري أو مولود فرعون أو مالك بن نبي. لم تجد وهي في هذا المحفل العلمي اللغوي من تستشهد برأيه سوى "حسن البنا" الذي قال: "اجتهد أن تتكلم اللغة العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام".
تبًّا للآفات!!!