غلاف "ليس هكذا تصنع البتزا" لسامر أبو هواش.(أرشيف)
غلاف "ليس هكذا تصنع البتزا" لسامر أبو هواش.(أرشيف)
الإثنين 13 نوفمبر 2017 / 19:57

ليس هكذا تصنع البيتزا

لعلّ ما حمل سامر أبو هوّاش على أن يسمّي قصيدته محاولة غير شعريّة هو وعيه وقصديّته في أن تكون القصيدة محاولة غير شعريّة، وهما هنا، السرد والمنطق، أي ما يعدّ نثراً

"ليس هكذا تصنع البيتزا" للشاعر سامر أبوهوّاش عنوان ملتبس لمجموعة شعريّة، لكنّ جدّة العنوان ولا تقليديّته بالنسبة لمجموعة شعريّة ليستا بلا دافع. ليس هذا عنواناً لكتاب عن الطهو أو في الطهو، لكنّه يدلّ على أنّنا يمكن أن نستخرج من موضوع بعيد عن، أو لا شعريّ كلاماً عن الشعر. قد تخطر في هذه الحال أفكار بدأت تروج منذ فترة حول الشعر الماديّ أو الشعر اليوميّ. أفكار ليست في مطلق الأحوال ناجحة أو صحيحة، فهذه الأفكار تحلّ في أحيان السرد محلّ الشعر وقلّما يستطيع السرد في مثل هذه الحال أن يبلغ شعريّته أو ينجلي عنها. نسمع أحياناً عن الشعر الموضوعيّ، من دون أن يتمّلك الشعر شعريّته.

 قد يكون الشعر يوميّاً لكنّ يوميّته لا تعذر نقصان شعريّته. وحين نتكلّم عن لغة جديدة فإنّنا عندئذ قد نعني أيّ لغة وقد نعني لغة لا تزيد عن الفصاحة والإنشاد والتنميق، وهذه في أحيان كثيرة قد تكون كلّ شيء إلاّ الشّعر، أو تكون مظهراً شعريّاً وشيئاً يشبه الشعر فحسب. نفهم من ذلك أنّ الشعر الجديد قد يطلب الجدّة من مختلف الوجوه، وله بالطبع أن يلتمسها من شتّى الطرق ومختلف الأساليب وكلّ القواميس واللغات، على أن يكمن جديده الأساسيّ في أن يصل إلى شعريّتها أو أن يبتكر شعريّتها أو أن يصنع هذه االشعريّة.

سامر أبو هوّاش الّذي ترجم الشعر الأميركيّ وكتب مجموعات شعريّة عدّة، هو في مجموعته الجديدة، كما هو الحال في مجموعاته السابقة، يجرّب كثيراً، بل كلّ قصيدة تكاد أن تكون تجربة أو مقاربة لتجربة. القصائد تملك معظمها هذه البكوريّة الطازجة في معظمها، هذا الإبتداء الحرّ، هذا المدخل غير المسبوق.

 لو تأمّلنا عفواً في هذه المجموعة، أو في جزء منها، لوجدنا اليوميّ والموضوعيّ والسرديّ والتأمّليّ والفكريّ وأمكنة مثل الإمارات وبيروت. يمكننا أن نشعر ذلك بمجرّد تأمّلنا لعناوين القصائد، فنحن حينذاك أمام شعر يغطّي كلّ ما لا يخطر بالضرورة أنّه ماثل للشعر أو أنّه موضوع شعريّ. حتّى يكاد يتراءى أنّنا حيال محاولة واسعة لشعرنة أكبر رقعة ممكنة، وعلى سبيل المثل أختار من عناوين القصائد:"من أعمال هوبر"، "ليس هكذا تصنع البيتزا"، "بعد بوب ديلان"، " بعد زياد الرحباني"، "بعدغياب"، "محاولة غير شعريّة لوصف بيروت"، "رافعات دبي الصفراء"، "من أنت لتتحدّث عن العمّال الغرباء"، "في المول"، "عن حيوانات المدن"، "من أجل الملائكة الميتين". هذا القليل الّذي اخترناه قياساً إلى عدد القصائد وعدد المجموعات، فقط من أجل تبيان سعة الموضوعات وسعة الإهتمامات وبُعدها وتنوعّها، إنّما هذا ليس بحدّ ذاته كافياً، فالمهمّ هو قدرة أبو هوّاش على اقتلاع وابتكار شعريّة هذه الموضوعات على بُعدها أو قربها. إنّ ما يحدث هو شعرنة كلّ ذلك بل إنّ انتزاع الشعريّ من كل ذلك، الكلام بالشعر واجتراحه واستخراجه من السرديّ واليوميّ والموضوعيّ والعاطفيّ والفكريّ هو مصداق تجربة سامر أبو هوّاش، حتّى ليصحّ القول إنّ عنوان هذه التجربة هو شعرنة العالم.

شعرنة العالم، نعم إذا قلنا ذلك بدون تبجّح، مستندين إلى أن الشعراء الفعليّين صانعو عوالم وعوالمهم تصطبغ بهم وبألوانهم، كما أنّها مصداق رؤاهم. في هذا المجال أختار قصيدة يلفتني عنوانها "محاولة غير شعريّة لوصف بيروت". يلفتني العنوان لسبب لا يخفى، فما هو غير الشعريّ في رؤية أبو هوّاش وكيف أدرجه مع ذلك في مجموعة شعريّة: "كأنك امرأة من الطبقة الوسطى تقيم في حيّ مختلط، ما يزال يضمّ بناية أو إثنتين من العصر الأريستوقراطيّ وتحمل بالولادة إسماً إيروتيكيّاً، لنقل "كاميليا" مثلاً، لأنّ أحداً في الحيّ لا يصدّق أنّ إسماً مثيراً للشهوات كهذا يمكن أن يكون موجوداً حقّاً، وأن يستمرّ في أن يكون موجوداً"... لعلّ ما حمل سامر أبو هوّاش على أن يسمّي قصيدته محاولة غير شعريّة هو وعيه وقصديّته في أن تكون القصيدة محاولة غير شعريّة، وهما هنا، السرد والمنطق، أي ما يعدّ نثراً. ولعلّ تجربة سامر هي هنا، أي شعرنة نثر خالص أو بلورة شعريّة النثر الخالص.