وزراء الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والروسي سيرغي لافروف والإيراني جواد ظريف.(أرشيف)
وزراء الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والروسي سيرغي لافروف والإيراني جواد ظريف.(أرشيف)
الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 / 18:58

المفاوضات مع روسيا والنظام من المسافة صفر

ينشط سياسيون وناشطون سوريون للضغط على الهيئة العليا للمفاوضات، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتوقيع على بيانات، لعدم القبول بتمثيل منصة موسكو في أي وفد سوري يستعد للتفاوض مع النظام أو روسيا، باعتبار منصة موسكو طرفاً منحازاً للنظام، بل يمثل النظام بالوكالة

اجتمع وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في المنتجع التركي أنطاليا، الأحد، تحضيراً لمؤتمر سوتشي المقرر عقده غداً (22 نوفمبر-تشرين الثاني الجاري)، في اليوم نفسه لمؤتمر "الرياض2" الغامض الأهداف والنتائج حتى اللحظة على الرغم من ازدحام التوقعات.

ومسبقاً، كانت الحرب بين روسيا وحلفائها من جهة، وبين الفصائل السورية المعارضة من جهة أخرى، حرباً سمتية، تتم عن بعد، ابتداء بالطائرات المروحية، والقذائف الموجهة، وصولاً إلى الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى، وإن كان هدف بعض هذه الصواريخ مواقع مفترضة لداعش حين تكون الصواريخ روسية.

في السياسة، يتم استثمار نتائج الحرب، والتذكير بمفعولها، على طاولة المحادثات التي لم تبلغ بعدُ درجة المفاوضات، كون كل من الطرفين المعنيين يضع شروطاً مسبقة على الآخر دون امتلاك أي منهما ما يكفي من الأسنان لإجبار الطرف الآخر على قبول تلك الشروط.

واستباقاً لمؤتمر الرياض، زار المبعوث الرئاسي الروسي الخاص للتسوية السورية، ألكسندر لافرنتييف، الرياض، والتقى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بحضور رئيس الاستخبارات العامة، خالد الحميدان.

ففي وقت مبكر من هذا العام، بدأت روسيا إجراءات أحادية استبعدت فيها الأمم المتحدة، إلا كشاهد زور في الجولات السبع من أستانة. كما نأت الولايات المتحدة بنفسها عن الإجراءات السياسية الروسية في الشأن السوري، مكتفية بالتنسيق الاستخباراتي الهادف إلى تجنب حدوث اصطدام الجهد العسكري لكل منهما في مناطق نفوذهما الافتراضية بين غرب سوريا وشرقها.

أما المعارضات السورية المسلحة فسجلت في العام الجاري أول تقارب مع المستوى السياسي (الائتلاف، والهيئة العليا للمفاوضات)، ليس بمعنى التفاهم، والامتثال لمطالب الشعب السوري الجذرية في نظرتها إلى النظام الأسدي، بل من حيث الضعف، وعدم القدرة على الحرب أو السلام، بحيث يمكن وصف موقفها من النظام بحالة "الممانعة" تجاهه، مثلما نحت النظام المصطلح تجاه علاقته مع "إسرائيل" بعدم القدرة على الحرب أو الرضوخ لصيغة السلام التي يقترحها العدو.

ضعف المعارضات المسلحة لم يأتِ مصادفة، فقد نزع الداعمون أسنان المعارضات بوقف الدعم العسكري عنها بعد سقوط حلب بيد النظام والميليشيات الشيعية، كمقدمة للتجارب السياسية الروسية في أستانة، والآن نحو سوتشي.

ومن نافل القول إن مناطق "تخفيف التوتر" التي فرضت روسيا سبعاً منها حتى الآن لم تكن لتصبح أمراً واقعاً لولا قطع الدعم العسكري عن الفصائل. وبالتالي، يمكن الجزم أن "أصدقاء الشعب السوري" متواطئون مع روسيا في إجراءاتها، حتى لو كان الهدف من "تواطؤ الأصدقاء" محاولة نصب فخ لروسيا والنظام تقوده الولايات المتحدة.

إذاً، فتراجع مستوى صوت الانفجارات كان مقدمة للسياسة، وهذا شيء طبيعي. لكن السياسة أيضاً حرب، وفيها القتال البعيد، والقتال من المسافة صفر حين تصبح المفاوضات مباشرة، وحين يقدم كل من الطرفين مشروعه السياسي، محتسباً كل الاحتمالات المتوقعة مستقبلاً، حرباً وسياسة، خاصة أن حرب البارود أرسلت إشاراتها خلال سبع سنوات إلى جميع الأطراف باستحالة كسب أي منهم المعركة كاملة.

في الرياض، ستتم إعادة تشكيل "الهيئة العليا للمفاوضات"، بإدخال منصتي القاهرة وموسكو. لكن بقاء رياض حجاب كمنسق للهيئة مرهون بتخلي العاصمة الرياض عن فكرة إقناع حجاب بقبول بقاء بشار الأسد في مرحلة انتقالية. وهذا ينسجم مع المعلن من موقف الرجل حتى اليوم، ومعه غالبية أعضاء الهيئة. أما استبدال حجاب بشخصية أخرى، وإجراء تغيير واسع في الهيئة، فتدرك موسكو أنه لن يؤدي إلى نتيجة، إلا إذا كان الهدف هدر مزيد من الوقت في محادثات عبثية هي غاية في حد ذاتها.

نعم، العبثية قد تكون هدف موسكو، قبل النظام، فمن حيث القوة العسكرية، لا تشعر روسيا والنظام بالخطر الذي تشعر به المعارضات، سياسياً، وعسكرياً، وستحافظان، بالتالي، على احتمالات الحل السياسي المؤجل، مع كل الحرص على ألا يكون في جنيف، بل في أستانة، أو سوتشي، بالتواطؤ مع المحاور الإقليمية التي تتلاعب بالمعارضات السورية التي لم تقرر بعد، وفعلاً، إن كانت مرجعيتها هي أفكار وطموحات الناس الذين برروا وجود تلك المعارضات اللاحق.

الآن، ينشط سياسيون وناشطون سوريون للضغط على الهيئة العليا للمفاوضات، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتوقيع على بيانات، لعدم القبول بتمثيل منصة موسكو في أي وفد سوري يستعد للتفاوض مع النظام أو روسيا، باعتبار منصة موسكو طرفاً منحازاً للنظام، بل يمثل النظام بالوكالة.

كل ذلك يجري قبل أيام فقط من سوتشي، وجنيف 8. أما عن سوتشي فاحتمال انعقاده شبه معدوم. على الأقل سيتم تأجيله (نقلت وسائل إعلام روسية، الإثنين، عن مصدر في المعارضة لم تسمه، أن المؤتمر سيعقد يومي 2 و3 من كانون الأول المقبل)، وعلى الأكثر سيتم عقده دون تمثيل سوري يحقق حتى حالة من الحضور الإعلامي. أما عن جنيف المقبل في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، فسيكون نسخة عن سابقاته يتم فيها قراءة بيان معد سلفاً ينص على التمسك بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة دون القدرة على تفعيل أياً منها.