المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
الأربعاء 22 نوفمبر 2017 / 14:45

ألمانيا في أزمة.. خيارات ديمقراطية صعبة

بعد قرابة 56 يوماً من محادثات بين أربعة أحزاب ألمانية، من أجل تشكيل حكومة ائتلافية، انسحب فجأة الحزب الديمقراطي الحر من المفاوضات، ما يعني فعلياً إنهيارها.

التوقف المفاجئ للمحادثات وجه ضربة كبرى لصورة ألمانيا في العالم كقوة مستقرة مسؤولة

ويمثل ذلك التطور المفاجئ، برأي آنا سوربري، كاتبة رأي لدى صحيفة "نيويورك تايمز"، أكثر اللحظات غرابة في تاريخ ألمانيا المعاصر، وخصوصاً لأن الديمقراطية الألمانية تمثل نظام تسويات. ولذا عندما استفاق الألمان، صباح الإثنين الأخير، على ذلك الخبر، أصيبوا بصدمة.

إخفاق وتحدي
ويشكل إخفاق كهذا، بحسب سوربري، تحدياً لدور ألمانيا الجديد في العالم، كما يجسد مثالاً آخر للاستبداد السياسي الخطير الذي يجتاح الديمقراطيات في العالم.

وفي الانتخابات الوطنية التي جرت في 24 سبتمبر( أيلول) الأخير، حصلت ستة أحزاب على ما يكفي من الأصوات لكي تدخل البوندستاغ(البرلمان الألماني). وكان من أبرز تلك الأحزاب الألمانية، حزب البديل لألمانيا (أي إف دي). وحصل الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل، على أكبر عدد من المقاعد، ولكن مع 34 ٪ من المقاعد، يحتاج الحزب إلى ائتلاف قوي لتشكيل حكومة أغلبية.

احتمالان
ومع رفض جميع الأحزاب الانضمام لائتلاف يضم أي إف دي، هناك حالياً احتمالان فقط. فإما تشكيل تحالف كبير بين الحزب الديمقراطي الاجتماعي( يسار – وسط) والحزب الديموقراطي المسيحي، وهو خيار رفضه الديمقراطيون الاجتماعيون إثر هزيمتهم الانتخابية الكبيرة. وهناك أيضا خيار تشكيل ائتلاف يضم أربعة أحزب فازت في الانتخابات، من أحزاب الاتحاد الاجتماعي المسيحي والخضر والديموقراطيين الأحرار.

خيارات صعبة
وبرأي سوربري، سوف تواجه ألمانيا خيارات صعبة بعدما انسحب كريستيان ليندر، رئيس الديمقراطيين الأحرار، من المحادثات. فإما أن يقترح الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينايمر، أن تكون ميركل مستشارة، وعندها يطلب منها تشكيل حكومة أقلية، أو حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة. ولكن قلة من الألمان يرغبون بانتخابات جديدة، ولذا قد يطالب شتاينماير كلاً من الديموقراطيين الأحرار والمسيحيين الاجتماعيين بالتفكير مجدداً بالمشاركة في حكومة ائتلافية. وهو قال الأحد الماضي: "على جميع الأحزاب المعنية إعادة التفكير في مواقفها، وعلى كل من ترشح للانتخابات التحلي بالمسؤولية، وعدم الانسحاب سريعاً عندما يستطيع تقديم ما ينفع ألمانيا".

خوف من عدم استقرار
وتقول الكاتبة إن خوفاً شديداً يسود ألمانيا من عدم استقرار سياسي. فإن دخول حزب أي إف دي إلى البوندستاغ يعيد إلى الأذهان ذكريات سيئة عن انهيار جمهورية وايمار وما تلاها من أحداث رهيبة. وقد نشرت صحيفة "أولوجيميين تسايتونغ" الألمانية خلاصة بحث أجرته مجموعة من المؤرخين الألمان، عن مقارنات بين ما جرى في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين وما يجري اليوم. في تلك الفترة، شهدت ألمانيا انقساماً في الطيف السياسي بين اليمين واليسار، وبرز متطرفون من كلا الجانبين، ما أدى لتشكيل حكومات أقلية، وحالة من الفوضى السياسية هيأت الظروف لكي يبدو التسلط النازي كخيار مقبول.

تسويات

ولكن الكاتبة تقول إن ألمانيا اليوم ليست شبيهة بجمهورية فايمار، وأن النظام السياسي الألماني قائم على القابلية لإجراء تسويات. ومنذ عام 1949، شكلت جميع الحكومات الألمانية بناءً على ائتلافات بين أحزابها الرئيسية، وقد تعاونت معاً بنجاح. ولكن صعود الشعبوية عقد كل ذلك، لا من الناحية الحسابية وحسب. بل كان قرار ليندر بالانسحاب من محادثات تشكيل حكومة ألمانية، دليل على تسميم حزب البديل لألمانيا للأجواء السياسية، وللقدرة على إجراء تسويات ديمقراطية.

وترى سوربري أن التوقف المفاجئ للمحادثات وجه ضربة كبرى لصورة ألمانيا في العالم كقوة مستقرة مسؤولة. وسوف تظهر الأسابيع المقبلة من هي الجهة الأقوى في ألمانيا: الخوف من انتخابات جديدة أو تشكيل حكومة أقلية تشبه ما كانت عليه حكومة فايمار وتداعياتها، أم رفض إجراء تسويات سياسية ضرورية؟.