رئيس الوزراء المصري الأسبق في طائرة إماراتية خاصة عائداً إلى مصر السبت.(أرشيف)
رئيس الوزراء المصري الأسبق في طائرة إماراتية خاصة عائداً إلى مصر السبت.(أرشيف)
الأحد 3 ديسمبر 2017 / 19:57

شفيق يا راجل

قرر شفيق أن يكون مرشح الإخوان المسلمين ومن ورائهم قطر في الانتخابات المصرية القادمة. لا بأس فليحلم

آخر الأحداث الساخنة عربياً، هي تلك القنبلة التي أطلقها الفريق أحمد شفيق عندما صرّح عبر قناة الجزيرة أن دولة الإمارات قد منعته من السفر. وعزا هذا الفعل إلى أنه ترشح للانتخابات المصرية. الإمارات لم تسكت، بل ردت عليه بأن لديه 48 ساعة لمغادرة أراضيها إلى الأبد، بعد أن بات شخصاً غير مرغوب فيه. لقد كانت صفعة موفقة من جنس العمل، وفي نفس الوقت كانت صفعة تنفي تلك التهمة بأنه محتجز.

خبر شفيق أعاد الذاكرة العربية إلى ذلك السطر من المسرح المصري، من مسرحية "عش المجانين"، بطولة المرحوم حسن عابدين ومحمد نجم، حينما يحاول الثاني تذكير الأول بشخصية منسيّة، فيقول له :
- شفيق يا راجل .. اللي لما يكون مستعجل يمدّ.

هذا السطر يختصر كل القصة. أحمد شفيق "المستعجل" شعر أنه تأخر وبقي في الظل أكثر من اللازم وقررأن يسرع، وأن يقفز قفزات واسعة في الظلام، ليعود إلى الأنوار الساطعة. نحن لا نعرف أين كانت القفزات قبل خروجه إلى النور، لكن نستطيع أن نحلل ونتوقع.

المؤكد أن شفيق قرر العودة، حتى وإن كانت الضريبة هي الخروج بمظهر غير مشرّف لرجل عض اليد التي أحسنت إليه. ما هي مصلحة الإمارات في منعه من السفر؟ ولو فرضنا أن الإمارات يهمها بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في السلطة، فأي خوف على السيسي من شفيق، وهو الذي خسر أمام مرسي العياط، أفشل مرشح للرئاسة عرفه الكوكب كله! ثم إن الإمارات لو كانت قد منعته من السفر لكان من باب أولى أن تمنعه من التصريح للقنوات الفضائية، مثل أي معتقل سياسي.

كل ما حدث لا يبدو منطقياً، لكن علم المنطق عبارة عن تصور وتصديق. التصور مجرد محاولة لإدراك الواقع ولا يلزم منه إذعاناً أو حكماً يقع في النفس، بينما التصديق يستلزم حكماً يفيد تطابق أمر ما مع الواقع، أو عدم تطابقه. الواقع أن الفريق أحمد محمد شفيق زكي المشهور بأحمد شفيق لم يسكت دهراً، لكنه نطق كفراً.

العهد قريب ولم ينس أحد منا قصته، فهو رئيس وزراء مصر من 29 يناير (كانون الثاني) 2011 إلى 3 مارس (آذار) 2011 وقد ازداد طموحه السياسي (وقد كان هذا ولا زال من حقه بطبيعة الحال) فترشح كمستقل لانتخابات الرئاسة المصرية 2012 ولكن لجنة الانتخابات استبعدته بموجب قانون مباشرة الحقوق السياسية المعروف باسم قانون "العزل السياسي". ذلك القانون الذي صدّق عليه المجلس العسكري يوم 24 أبريل (نيسان) 2012 ثم أعادته اللجنة بعد يومين بعد أن طعن أمامها في القانون مستنداً إلى أنه غير دستوري. لكنه خسر الانتخابات بعد جولة الإعادة أمام محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين. يومها خرج شفيق غاضباً وأعلن على الأشهاد أن الإخوان المسلمين فازوا بالتزوير ( وها هو اليوم يخرج في قناة المُزوّرين). لجأ بعد الانتخابات للشيخ محمد بن زايد، وانتقل شفيق للعيش في نعيم دولة الإمارات معززاً مكرماً طوال الفترة الماضية.

دعونا نفكر أكثر لنتصور ما حدث بشكل أعمق. لقد كنت أتوقع أن يحدث شيء من هذا، فمنذ أسابيع، أطلق الكاتب السعودي جمال خاشقجي تغريدة نصح فيها النظام القطري بأن "شيكاً بأربعة مليارات يصرف لمصر سيحل الأزمة القطرية". ما معنى هذا الكلام؟ إنه نصيحة لقطر بأن تنظر إلى مصر على أنها الحلقة الأضعف، وأن اختراق المقاطعة يمكن أن يحدث من هناك. يبدو لي أن هذه الفكرة قد أعجبت صناع القرار في قطر. فهم يرون أن السعودية والإمارات والبحرين أبواب قوية مغلقة لن تفتح لهم حتى يرجعوا عن الخط السياسي التدميري الداعم للثورات في العالم العربي، ولذلك قرروا أن يعودوا لمحاولة العبث وممارسة الشغب السياسي في مصر. كيف عرفنا أن لقطر يداً في الموضوع؟ لأن شفيق أدلى بهذا التصريح الخطير لقناة ليست من قنوات بلده، وهي الأولى به لو كان حقاً مخطوفاً. لقد قفز إلى الجزيرة التي لا تنام ليلاً ولا نهارا لتشويه صورة الإمارات وفي نفس الوقت تروج لأعمال العنف في مصر، مصر التي يريد شفيق أن يترشح لرئاستها.

كل من درس أبجديات التحليل السياسي يعلم أن هذه صفقة سياسية ولا يمكن أن تُقبل على أنها صدفة، إلا في جمجمة ساذج. لقد قرر شفيق أن يكون مرشح الإخوان المسلمين ومن ورائهم قطر في الانتخابات المصرية القادمة. لا بأس فليحلم، لكن نحن الذين قررنا أن نُبقي عيوننا مفتوحة نرى أن هذا الحلم لن يحدث، وأول الدلائل على ذلك أن حماقته الأخيرة أدت إلى الانشقاق في حزبه ورفض تحالفاته الجديدة. نعم هناك أطراف تؤيده في مصر مثل حركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، لكن هذه التجمعات لا وزن حقيقياً لها. خلاصة القصة يمكن أن نجملها في سطر: لقد قررت قطر أن تعود إلى ممارسة الشغب في مصر، لكنه شغب ساذج لا يراهن إلا على الدوابّ الفاشلة.