مقاتلون من داعش في الصجراء .(أرشيف)
مقاتلون من داعش في الصجراء .(أرشيف)
الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 / 20:17

داعش وأعداؤه يعرفون ما يفعلون

حيدر العبادي يحتفل بالقضاء على داعش في العراق، والأمريكيون يُقدِّرون ما تبقى من داعش في سوريا بثلاثة آلاف، بينما تؤكد تقارير وصور تواجد التنظيم في إدلب.

قبل أسابيع بدأت الأخبار تتوارد عن وجود بعض قادة التنظيم في تركيا أحراراً دون ذقون طويلة، حيث يتاجرون ويعيشون. ومنهم من يتواجد في سجون قسد في عين العرب – كوباني في "ظروف كريمة"، ومحتجز في زنزانة إفرادية

ما يكذب هذه التخرصات، والأرقام، ليس التذكير فقط بصفقة "تخريج" أربعة آلاف، أو خمسة آلاف، من داعش، من الرقة في الأسبوع الأخير لمعركة تدمير الرقة، بل التفاصيل التي يرصدها المتابع الحريص على التدقيق في سيرة التنظيم في سوريا والعراق.

أهم تلك التفاصيل ما كشف عنه الناطق الرسمي السابق باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، طلال سلو، بعد انشقاقه ووصوله إلى تركيا، مستبعدين من كلامه ما قاله إرضاء لتركيا.

بالطبع، هنالك ما هو مهم في ما أعطاه سلو للأتراك، حتى لو يكن مطلعاً كثيراً على القرارات الاستراتيجية المتعلقة بـ"وحدات حماية الشعب" الكردية، لكن يهمنا هنا تأكيد المؤكد في صفقة "تخريج" آلاف من عناصر داعش السوريين وغير السوريين من الرقة، بإقرار العقيد المنشق بضلوع قسد وأمريكا في هذه الصفقة، ونفي أن "مجلس الرقة المدني" وزعامات عشائرية قاموا بتمرير الصفقة التي يعرف عنها مهندسوها تفاصيل تفوق خيالنا الذي لا يزال يجتر فكرة أن داعش صنيعة مخابرات عابرة للقارات تعاون فيها أصدقاء وأعداء، من أمريكا إلى إيران وروسيا، دون أن نملك دليلاً على ذلك.

وعدم امتلاك دليل عليها لا يقلل من أهمية القرائن التي تزيد الشك في صلات داعش بأعدائه، خاصة مع حرص رعاة الفوضى على نسج تعقيدات لا يوجد أفضل من داعش مفوضاً في صناعتها، حتى بالمقارنة مع جبهة النصرة وأخواتها من الفصائل الإسلامية التي تبيع وتشتري حسب مواسم القتال والسياسة.

أما مسألة تسليح الأمريكيين لـ"وحدات حماية الشعب"، الجناح العسكري لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، فمسألة تهم في هذه المرحلة الجانب التركي فقط، كون الجانب السياسي السوري المعارض، بمن فيهم الأكراد المعارضين للحزب المصنف كونه الجانب السوري لـ"حزب العمال الكردستاني" التركي، لا يملك في الوقت الحالي، ولا يرغب، في فتح جبهة سياسية، أو عسكرية، مع أكراد الحزب المدجج بأسنان أمريكا التي مكنته من تشتيت شمل داعش في البوادي المتصلة بالمدن، كأكبر إنجاز للطرفين الحليفين في قتال إرهاب داعش.

أما مصير آلاف الداعشيين الذين غادروا الرقة آمنين، في اتجاهات مختلفة، فليس ذلك هو اللغز الذي سننتظر حله فترة طويلة، فقبل أسابيع بدأت الأخبار تتوارد عن وجود بعض قادة التنظيم في تركيا أحراراً دون ذقون طويلة، حيث يتاجرون ويعيشون. ومنهم من يتواجد في سجون قسد في عين العرب – كوباني في "ظروف كريمة"، ومحتجز في زنزانة إفرادية، لا منفردة، ربما لاستخلاص ملومات استخبارية منه عن التنظيم، على اعتبار داعش لا يزال ذلك الشبح الذي لا تعرف عنه أمريكا، وقسد، ما يكفي لكشف كل أسراره.

في ما يتعلق بداعش ديرالزور، فمهمة القضاء على التنظيم هناك تحولت إلى ميليشيات النظام المعززة بالطيران الروسي، على خلاف مسار الأحداث السابقة الذي صنف شرق سوريا كله منطقة نفوذ أمريكية. بينما يُتوقع أن يتسلل عشرات أو مئات في اتجاه تركيا مستغلين "أيام الضباب" على الحدود السورية التركية، مع بدايات الشتاء. أما تواجد داعش الظاهر في إدلب فهو المفاجأة التي تثير القلق، حيث السيطرة مطلقة لجبهة النصره هناك، أو أياً يكن اسمها الآن.

فهدوء الجبهات بين الفصائل المعارضة بعد هندسة "منطقة تخفيف توتر" في إدلب في أستانة السادسة، مع انخفاض نسبي للغارات الروسية على مدن محافظة إدلب، والتهادن المريب بين الجيش الحر المدعوم من تركيا مع "النصرة"؛ كل ذلك يجعل "تسلل" داعش إلى إدلب، وتواجده العلني فيها لأول مرة منذ أربع سنوات، مسألة فيها شك بنوايا أعداء داعش، وليس نوايا داعش نفسه.

ومن المعروف أن داعش لم يخسر مناطق سيطرته في شرق حماة، وشمالها الشرقي، إلا في إطار معارك كر وفر مع جيش النظام الأسدي، في ما يشبه تبادل أدوار، لكن تمدده شمالاً في اتجاه إدلب، في هذا التوقيت الذي نفترض فيه أن التنظيم مُحاصر ومُطارد في الشرق والغرب، وتمكنه من هزيمة النصرة في عدد من القرى جنوب إدلب، وعدم تدخل الطيران الروسي، أو طيران النظام الأسدي، لاصطياده، يؤشر إلى معركة قادمة هدفها تدمير مدن أو قرى هناك على غرار ما حدث من تدمير لمدينة الرقة بغرات طيران التحالف، وأجزاء مما تبقى من مدن ديرالزور، والميادين، بغارات الطيران الروسي.

أمام هذه التوقعات المحتملة، يبرز السؤال عن سبب عدم استهداف كلٍّ من داعش والنصرة معاً أثناء اشتباكهما، كونهما عدوين معلنين لكل من أمريكا، وروسيا والنظام الأسدي. فهؤلاء، فرادى ومجتمعين، لم يحيدوا المدنيين عندما استهدفوا داعش في الرقة، والموصل، ومنبج، وقتلوا الآلاف، ودمروا تلك المدن، فقط لأن هدفهم كان القضاء على داعش الذي يغرس الآن جذوره في محافظة إدلب من جديد.
وفي النهاية، لا نستغرب استقبال فلاديمير بوتين بشار الأسد في الأرض الروسية، حميميم، حيث أجلسه على يمينه، حسب البروتوكول، كـ"رئيس ضيف"، ليتلو عليه آخر أوامره.