فلسطينيات بالزي التقليدي.(أرشيف)
فلسطينيات بالزي التقليدي.(أرشيف)
الجمعة 19 يناير 2018 / 20:17

إنهم يسرقون الفلافل !!!

دولة تسرق تراث الآخرين من "المتاحف" وطعامها من "مطابخ" غيرها و"مزاجها" من موسيقى أجنبية لا علاقة لها بها .... إنها دولة لصوص ومصيرها إلى اندثار

هذا العنوان ليس عنواناً لرواية هزلية أو لفيلم سريالي"، انه عنوان لواقع الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الموروث الفلسطيني، فبعد أن نجح الإسرائيليون في اغتصاب الأرض الفلسطينية وقاموا بتزوير التاريخ واختراع تاريخ جديد لهم هدفه إثبات ما لا يمكن إثباته بأن أرض فلسطين هي "أرض الميعاد والأجداد وأرض اللبن والعسل" إلى آخر تلك التسميات التي تمت وتتم من خلالها أكبر عملية نهب وسرقة للأرض في التاريخ البشري بعد هذا كله انتقلوا وتحديداً بعد 70 عاماً إلى محاولة ربط الفعل الإنساني المتراكم للإنسان الفلسطيني منذ زمن الكنعانيين فيما قبل التاريخ إلى يومنا هذا بهم، في عملية سرقة حضارة وثقافة غير مسبوقة أيضاً.

بعد إنجاز عملية اغتصاب الأرض وسرقتها دخل الإسرائيليون في مأزق لم يكونوا قد فكروا به من قبل ولم يضعوه ضمن حسابات ما بعد السرقة، هذا المأزق جاء على شكل السؤال التالي الذي أخذوا يوجهونه لأنفسهم بخوف وقلق بالغين ... ماذا نملك من تراث ومن عادات وتقاليد ومن موسيقى ومن ثقافة فوق هذه الأرض لنقدمها للعالم ؟؟

أما الجواب فكان لا شيء، لهذا كان لا بد من سرقة الفعل الإنساني والحضاري الذي راكمه الكنعانيون الفلسطينيون فوق أرض فلسطين منذ 7500 عام قبل التاريخ وأنجز بناء أقدم مدينة في التاريخ، وهي مدينة أريحا.

ومن هذه القناعة التي تولدت لدى النخبة المثقفة من يهود الخزر القادمين من أوروبا الوسطى والشرقية بدأت عملية سرقة فلسطين مرة أخرى ولكن هذه المرة سرقة التراث والتاريخ الإنساني.

عملية السرقة بدأت من لباس مضيفات شركة الطيران الإسرائيلية "العال" للثوب الفلسطيني ثم انتقلت للأغاني والموسيقى وبعدها للمطبخ حيث يقول موقع "المصدر الإسرائيلي" إن من بين أصناف الطعام في المطبخ الإسرائيلي وتحديداً الأكلات الشعبية الحمص والفلافل والشاورما، وأما الحلويات أبرزها الكنافة وغيرها من الحلويات العربية الشرقية.

إن اليهود العرب سواء أكانوا عراقيين أو "مغاربة" أو يمنيين أو مصريين والذين وصلوا فلسطين المحتلة وانخرطوا مع "الاشكنازيم" "يهود الخزر" من أوروبا الشرقية والوسطى أحسوا مبكراً بعقدة الهوية القومية، فهم عرب أولاً وأخيراً، وثقافتهم العامة وتراثهم هو عربي، وعندما احتكوا باليهود القادمين من أوروبا والبلدان الأخرى تفاجئوا بأن لدى هؤلاء ثقافة مختلفة تماماً وعادات وقيم مختلفة، وإرث وتراث مختلف، وهنا بدأت الصدمة لدى اليهود العرب الذين تعمق لديهم الإحساس بالغربة والحسرة على أوطانهم الأصلية، وتضاعفت المرارة أكثر عندما وجدوا أن طريق عودتهم لبلدانهم العربية أصبح أمراً غير ممكن وصعب ومحكوم بظروف سياسية خارجة عن إرادتهم حولتهم إلى أعداء رغماً عنهم لقوميتهم وتاريخهم وانتمائهم العربي، وتضاعفت مرارتهم أكثر وأكثر عندما اكتشفوا أن إسرائيل "الحلم" ما هي إلا أكذوبة ودولة عنصرية ضد العرب الفلسطينيين أولاً، ثم ضد اليهود العرب ثانياً.

البروفسور يهودا شنهاب وهو أحد مؤسسي منظمة "القوس الشرقي" ويقود التيار الذي يؤكد على انتماء اليهود الشرقيين إلى الثقافة العربية ويدعو إلى تعزيز هذا الانتماء انتقد في مقال له استمرار الهيمنة الأشكنازية على دولة إسرائيل كما انتقد المؤرخين الجدد واتهمهم بأنهم يواصلون نهج المؤرخين التقليديين في نفي انتماء اليهود الشرقيين وتشويهه والتنكر لدورهم الثقافي استمراراً لنهج الهيمنة الأشكينازية.

وهناك دراسات لحالات وتجارب عديدة نشرت في مجلات وصحف إسرائيلية يسارية وعلمية تظهر حجم الاضطهاد الذي تعرض ويتعرض له اليهود السفارديم بصورة عامة والعرب بصورة خاصة في ظل "دولة إسرائيل " التي تُسيطر عليها النخب "الاشكنازية".

إن أحد أسباب العداء لليهود العرب والشرقيين من قبل اليهود الأوروبيين هو عقدة الشعور العميق لدى اليهود القادمين من أوروبا بالنقص لكونهم يعلمون أنهم ليسوا "ساميين" بل هم من أجناس وأعراق أخرى لا تمت للسامية بأية صلة.

إن الخواء الثقافي والتراثي لدى مؤسسة الاحتلال الإسرائيلي وغياب الجذر الحضاري لها في أرض فلسطين سوف يُعجّل في تصدع هذا المجتمع المصطنع وتشرذمه.

يرسم الشاعر الإسرائيلي المعروف ناتان زاخ، صورة قاتمة لواقع ومستقبل إسرائيل في عام 2012، مشيراً إلى "تأكل الهوية المشتركة وتحولها إلى حطام ستحتاج إعادة جمعه إلى مئات السنين، الأمر الذي يضع علامات سؤال كبيرة حول مستقبل هذه الدولة". ويقول زاخ ( 81 عاماً) في مقابلة مع صحيفة "معاريف- بتاريخ 31 ديسمبر 2011: "إن هذا الشيء الذي يدعى إسرائيل، شعب تجمع من دول مختلفة، أصحاب لغات مختلفة، ثقافات مختلفة وقيم وعادات مختلفة لا يمكن توحيدها تحت ضغط عدو خارجي"، ورداً على سؤال ما هو أكثر ما يقلقه يقول "إنه غياب الأساسات المشتركة فالدين وذكرى صهيون وحائط المبكى وسائر الرموز التي ساعدتنا على الصمود كشعب واحد، كلها اختفت ولا يوجد لدينا شيء منها"، مؤكداً "أن الأسس المشتركة تتهدم الواحدة تلو الأخرى، فحتى الجيش الذي اعتبر أكثر قاعدة موحدة يتشظى، مثل غيره من المشتركات الأخرى والمجتمع الإسرائيلي يتحول إلى شظايا متكسرة".

... دولة تسرق تراث الآخرين من "المتاحف" وطعامها من "مطابخ" غيرها و"مزاجها" من موسيقى أجنبية لا علاقة لها بها .... إنها دولة لصوص ومصيرها إلى اندثار.