مقاتلون سوريون مدعومون من تركيا (أرشيف)
مقاتلون سوريون مدعومون من تركيا (أرشيف)
الخميس 25 يناير 2018 / 20:26

سرقة الأسماء في سوريا

يحيل اسم "الجيش السوري الحر" الى أولئك الجنود والضباط، رتب صغيرة في الغالب، الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين السلميين في سوريا في الشهور الأولى للثورة.

سيبدو غريباً أن يطلق "جيش الإخوان المسلمين" القادم من وراء الحدود التركية تحت رعاية تركية وبأسلحة تركية وغايات تركية، والذي يبدو، "الجيش"، أقرب الى قصاصي أثر وكشافة يمهدون الطريق نحو بلادهم لجيش الخليفة

كثيرون من هؤلاء الجنود الشجعان أعدموا ميدانياً وطوت مصائرهم الحرب، بينما تراكمت الميلشيات الإسلامية التكفيرية وصراخها وراياتها على الفكرة النبيلة التي أحاطت بذلك الاسم وغدرت به.

يصعب فصل الاسم عن تلك الأيام المجيدة للثورة، حين كانت الشعارات واضحة ومحددة وتتمحور حول مطالب بشرية بسيطة وممكنة، حرية التعبير والعدالة المؤسسة على المواطنة ووحدة البلاد، يمكن هنا إضافة مطلب إلغاء المادة الخاصة من الدستور والتي تؤبد حكم حزب البعث للجمهورية.

في تلك الأوقات كان تعداد المشاركين في مظاهرة واحدة في مدينة حماة يلامس النصف مليون، يرددون هتافات المغنين ويحلمون بالحرية البسيطة في وطنهم، بينما تتجمع حلقات متكاتفة من الراقصين في أحواش القرى، من قرى الكرد في الشمال حتى قرى حوران والسويداء والغوطة، تحت أضواء خفيفة، أضواء بالكاد تكفي لتبين وجه الشريك وملامسة كتفه.

ما الذي طالب به السوريون ليتلقوا كل هذا الموت.

أية خيارات كانت تملكها تلك المجاميع الشجاعة "حسنة النية".

العناوين القليلة التي كان على المحتجين أن يلتقوا عندها لينطلقوا كانت المساجد، خيارات قليلة كانت أمامهم في مجتمع تحطمت مؤسسته المدنية قبل أن تتنفس، وتفككت المعارضة السياسية، أو فقدت الطريق إلى قواعدها بسبب الضربات الأمنية والملاحقة المستمرة وأسباب كثيرة أخرى، منها غياب البرامج والانزواء والانشغال بحماية التنظيم وأعضائه، بحيث تحولت هواجس الحماية إلى برامج بديلة وغاية بحد ذاتها.

ورغم ذلك خرج السوريون ببرنامجهم البسيط الواضح، دون الحد الأدنى من الدعم، خرج السوريون دون مظلة توفرها قوى سياسية معارضة "اتكأت" لعقود طويلة على قسوة الواقع ومعاناة الناس وأحلامهم، أو قوى مجتمع مدني قادرة على إسناد هذا الخروج وفتح قنوات حوار مع أجنحة السلطة وحوار مجتمعي وأفق دولي.

خرج السوريون عزلاً ومكشوفين، دون قيادة حقيقية ودون خبرة بعد أن استنفذوا الخوف، مباشرة إلى خط الجبهة مع "النظام" المدجج والمذعور في نفس الوقت، وليس مجازاً، على الاطلاق، حين نتحدث عن الغناء كسلاح في مواجهة الرصاص.

كان هذا قبل أن تتحول "المساجد"، عناوين التجمع والانطلاق، إلى كمين لاستدراج الثورة نحو شبكة الإخوان المسلمين وبناء "ائتلاف وطني"، في استعادة أمينة لأفكار النظام، لا تختلف عن "الجبهة الوطنية" التي ألفها حزب البعث ونخر عبرها أي فكرة قد تنشأ للمعارضة أو الشراكة الحقيقية، وقبل أن تتدحرج رغبة "رفض اطلاق النار" على المحتجين الى مهمة اطلاق النار على المجندين وأفراد الجيش تحت شعار "حماية الشعب"، وقبل أن يصل "المدد" الإيراني للنظام على شكل مليشيات من نوع النجباء والعصائب وفاطميون تحت حجة طائفية مقيتة هي حماية المراقد الدينية.

وقبل داعش والنصرة وزنكي وجيش الاسلام وكل هذه التسميات.

كانت "عفرين" سورية وما زالت، وكانت القامشلي" قامشلو" سورية وما زالت، وكان الأكراد شركاء في كل شيء، الوطن والمعاناة والثورة، وما زالوا.

لا شك أن ثمة أخطاء، ارتكبها حزب العمال الكردستاني، كما فعل الجميع، في المناطق التي سيطر عليها خلال مواجهاته مع داعش وغيرها، أخطاء في اللغة والشعار والتحالفات، أخطاء تسببت بها "رومانسية ماركسية" تعود الى لحظة البدايات ومقاعد الجامعة، أخطاء تكاد تكون ساذجة وغريبة في الثقة بالحليف الأميركي الذي سيقايض بهم عند أول منعطف...،

ولكن هذا لا يمنح أحداً الحق في غزو عفرين أو منبج السوريتين، ولا يبرر هتافات "الله أكبر" التي يطلقها القادمون إلى بلادهم تحت العلم التركي لتحرير "عفرين" من الكرد!!.

لذلك سيبدو غريباً أن يطلق "جيش الإخوان المسلمين" القادم من وراء الحدود التركية تحت رعاية تركية وبأسلحة تركية وغايات تركية، والذي يبدو، "الجيش"، أقرب إلى قصاصي أثر وكشافة يمهدون الطريق نحو بلادهم لجيش الخليفة ، سيبدو غريباً أن يطلق على هؤلاء الكشافة اسم "الجيش السوري الحر"، وستكتمل المأساة، تماماً، حين يختطف الاسم الذي استحقه بجدارة أولئك الجنود الذين رفضوا اطلاق النار على شعبهم ويوضع على أكتاف "جيش الخليفة" الذي يطلق النار على "عفرين" في هذه اللحظات.