مطعم البغل.(أرشيف)
مطعم البغل.(أرشيف)
الإثنين 12 فبراير 2018 / 19:45

جريمة أكل في مطعم الجحش

صار كل ذلك مألوفاً ولا يثير الدهشة، في زمن يظن فيه بعضنا أن إسرائيل "دولة محبة للسلام"، وأن الطفل فارس عودة خدش كرامة العسكري الاسرائيلي حين تصدى لدبابته بحجر

أحب المشي في أحياء القاهرة القديمة، وتجذبني مبانيها العتيقة رغم إهمالها البائن وتركها فريسة للغبار ودخان عوادم السيارات وعوامل التعرية، وأقضي ساعات في الفرجة على ما يعرضه البائعون الجائلون الذين يفردون سلعهم على الأرصفة وعلى إسفلت الشوارع التي تتحول نهاراً إلى أسواق مفتوحة.
قبل أيام، تعبت من المشي في "السيدة زينب"، وكنت قريباً من أشهر مطاعم المنطقة وهو مطعم الجحش، فدلفت إلى المطعم لكي أستريح وأتغدى فولاً وطعمية وما تيسر من طرشي وجرجير.

تذكرت صديقاً يعمل في المنطقة فهاتفته لكي يلتقيني في المطعم، لكنه، بمحض الصدفة كان يتناول غداءه في مطعم آخر قريب يسمى مطعم البغل.
لفتني اسم المطعم وأضحكتني المصادفة، لكنني تجاوزت دهشتي وأنا أستعيد ما قرأته عن مطعم آخر في مصر يسمى "جريمة أكل"!

لا تنفرد القاهرة بغرابة الأسماء، وقد عرفت ورأيت الكثير من الأسماء الغريبة في عواصم عربية أخرى، وعادت بي الذاكرة إلى بغداد في أوائل الثمانينات حين كنت أمشي من الكرادة إلى ساحة النصر لأشرب لبن أربيل في أشهر محال العصير في العراق، وهو "مرطبات الحاج زبالة" الذي كان جل زبائنه من أبناء الطبقة الوسطى والمثقفين البغداديين وزوار عاصمة الرشيد.

في عمان أيضاً تذكرت محلين متجاورين في شارع الصحافة هما "المزعج للموبايل" و"السرطان للتدخين"، وكان الاسمان ملفتين جداً لأهل المدينة التي تعرف بجدية ساكنيها وعدم ميلهم إلى السخرية. وعندما نجحت تجربتهما تجارياً بدأ تجار صغار آخرون في استخدام تسميات مستفزة لمتاجرهم مثل "صيدلية المريض" و"مكتبة الجاهل" و"ميكانيكي الحوادث" و "صالة الحزين للأفراح".

وكنت قبل ذلك قد مررت في عمان بمحل لبيع الآلات الموسيقية يسمى "الجزار للموسيقى" وهو مجاور، بمحض الصدفة لـ "ملحمة الأنغام"!
لدينا الكثير من التسميات الغريبة التي تعبر إما عن توجه صاحبها مثل "قبعات غيفارا" في بيروت و"عرفات للكوفية" في رام الله أو تثير الاستفزاز مثل "عبده تلوث" وهو مطعم شهير للكبدة في القاهرة، أو تتوافق مع محتواها مثل "بار الانكل سام" في عمان.

ولا يتوقف الأمر عند أسماء المطاعم والمتاجر الصغيرة التي تبيع السلع البسيطة، حيث يقام سجن قرب ساحة الحرية، ومحل أزياء سباحة وسياحة ورقص على سور مسجد، ومتجر لبيع أطعمة القطط والكلاب في حي فقير ينام معظم أهله بلا عشاء.

لم تعد الأسماء تدهشني، وكذلك ما يكتبه سائقو النقل على حافلاتهم مثل "رضا الوالدين أهم من رضا أبوك وأمك"، وما أقرأه من لافتات دعائية يقول إحداها "مركز .... لتعليم السواقة وعلاج البواسير من دون جراحة"!

صار كل ذلك مألوفاً ولا يثير الدهشة، في زمن يظن فيه بعضنا أن إسرائيل "دولة محبة للسلام"، وأن الطفل فارس عودة خدش كرامة العسكري الاسرائيلي حين تصدى لدبابته بحجر، وأن البارود يهدد البيئة والعصافير في الجولان.

لماذا لا يكون اسم "السرطان للتدخين" مقبولاً وطبيعيا ونحن نعتقد أن أمريكا راعية السلام؟