الأسد يزور قوات النظام في الغوطة الشرقية (أرشيف)
الأسد يزور قوات النظام في الغوطة الشرقية (أرشيف)
الأحد 18 مارس 2018 / 23:45

تقرير: النظام وتركيا.. عفرين مقابل الغوطة

24 - حسين حرزالله

اقتحمت القوات التركية مدينة عفرين شمال غربي سوريا، الأحد، ورفعت العلم التركي فوق أحد المباني الرسمية وسط المدينة، معلنة السيطرة الكاملة عليها، وذلك تزامناً مع تقدم قوات النظام السوري على عدة جبهات في الغوطة الشرقية مسيطرة على أكثر من 83 % من مساحتها، ما يشرع الباب أمام التساؤل حول حقيقة الصفقة التي تجري في سوريا بين المثلث الروسي التركي الإيراني.

وجاء تزامن اقتحام الجيش التركي وسيطرته على عفرين، مع اقتحام الجيش السوري وسيطرته على الغوطة، مؤكداً لتقارير صحافية سابقة عن اتفاق تركي روسي يقضي بسكوت تركيا عن عملية النظام العسكرية في الغوطة، مقابل غض دمشق نظرها عن العملية التركية في عفرين.

وتسعى روسيا وتركيا وإيران، منذ بداية تدخلهم في الصراع السوري، إلى الاتفاق على مصالح كل منهم في سوريا وحماية نفوذهم وتوسيع مناطق سيطرتهم.

وكانت صحيفة الشرق الأوسط نقلت أخيراً عن دبلوماسي روسي أن "موسكو مرتاحة بسبب تقلص مساحة التباين في المواقف بين الأطراف الثلاثة في سوريا، (روسيا وتركيا وإيران)"، مشيراً إلى تراجع لهجة طهران في انتقاد العملية العسكرية التركية في عفرين، في الوقت الذي خففت أنقرة من لهجتها في الحديث عن العمليات العسكرية الجارية في الغوطة وفي مناطق أخرى مثل إدلب، كما أكد محللون روس أن موسكو تسعى للحفاظ على توازن المصالح الذي رعته مع شريكيها التركي والإيراني خلال المرحلة الماضية، وتطوير العمل بالآلية ذاتها في المرحلة المقبلة.

وأشارت وسائل إعلام روسية إلى أن قوات النظام السوري "ستواصل عمليتها العسكرية التي بدأت تقترب من الحسم، ولن يعارض الجانب التركي ذلك في حديثه مع موسكو أو عبرها مع دمشق، وفي المقابل تحتاج تركيا إلى استمرار الموافقة الروسية للمضي في عمليتها في عفرين".

وكانت جولة محادثات وزارية ثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران في آستانة أول أمس الجمعة، ركزت على ترتيب التطورات اللاحقة على خلفية الوضع في الغوطة، والعملية العسكرية التركية في الشمال السوري، إضافة إلى التحضير لقمة تجمع رؤساء البلدان الثلاثة يتوقع أن تعقد في إسطنبول في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وعلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على لقاءات أستانة مؤكداً أنها "أثبتت فعاليتها وساهمت في التمهيد للتسوية السياسية".

الغوطة مقابل عفرين
يذكر أن رئيس الأركان في الجيش الروسي فاليري غيراسيموف، الذي عادة ما ينقل رسائل الرئيس فلاديمير بوتين إلى بشار الأسد، سواء عبر زيارة دمشق أو من خلال القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، حمل رسالة الأسبوع الماضي، تؤكد على ترك عفرين والشمال السوري إلى التفاهمات الروسية التركية الإيرانية، وتحدد بوضوح أماكن انتشار قوات النظام شمال حلب مقابل الجيش التركي.



وتضمنت الرسالة، تسليم روسيا إلى الجانب السوري خرائط انتشار نقاط المراقبة لقوات النظام شمال سوريا، بحيث يتم نشر 10 نقاط قرب أعزاز وتل رفعت ونبل والزهراء التي يسيطر عليها النظام وحلفاؤه من تنظيمات تدعمها إيران، على ألا تقترب هذه النقاط من عفرين التي قضت التفاهمات بين موسكو وأنقرة وطهران بأن تذهب إلى الجيش التركي وفصائل سورية معارضة تدعمها أنقرة.

ومقابل ذلك، يقيم الجيش التركي 12 أو 13 نقطة مراقبة في أرياف إدلب وحماة وحلب، إضافة إلى مواصلة عملية "غضن الزيتون" لربط مناطق "درع الفرات" بين حلب وجرابلس ومناطق إدلب.

وأبلغ مسؤول في دمشق، قائد وحدات حماية الشعب الكردية سبان حمو، بهذه التفاهمات ونقاط الانتشار، الأمر الذي فسره قياديون أكراد، بأنه قرار في دمشق بـ"التخلي عن عفرين والشمال إلى تركيا، على الرغم من أن دمشق كانت تريد العودة إلى عفرين سواء فعلياً أو رمزياً، لكن موسكو رفضت، لأن التفاهمات والمصالح بينها وبين أنقرة أكبر بكثير من عفرين.

وبموجب التفاهمات مع روسيا، تربط تركيا مناطق "درع الفرات" التي تبلغ مساحتها أكثر من 2100 كيلومتر مربع مع مناطق عفرين. وهي تسعى إلى توسيع منطقة نفوذها لتكون الثالثة من حيث المساحة بعد منطقة النفوذ الأمريكي البالغة ثلث مساحة سوريا (وهي 185 ألف كيلومتر مربع)، وقوات النظام وروسيا وإيران التي تسيطر على نصف مساحة البلاد تقريباً.

حصيلة عملية عفرين
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استكمال السيطرة على وسط مدينة عفرين شمال غربي سوريا صباح الأحد، قائلاً: "رموز الأمن والسكينة ترفرف في مركز مدينة عفرين بدل أعلام الإرهاب، ترفرف الأعلام التركية وأعلام الجيش السوري الحر".



يشار إلى أن تركيا وفصائل سورية موالية بدأت في 20 يناير (كانون الثاني) حملة عسكرية تحت تسمية "غصن الزيتون" ضد منطقة عفرين، قالت أنقرة إنها تستهدف وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها "إرهابية" وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني.

ومن جانبها، اتهمت قوات سوريا الديمقراطية اليوم الأحد، روسيا بفتح المجال الجوي لإبادة شعب عفرين في ظل صمت المجتمع الدولي، قائلة إن "الهجوم العدواني على عفرين بدأ باتفاق مع روسيا وبتواطؤ من قوى إقليمية"، متهمة روسيا بـ "أنها ومرة أخرى ضحت بشعب من أجل مصالحها في سوريا"، مشيرة إلى أن تركيا تقوم بتمويل داعش، "وتقوم باستخدام مرتزقته في تغيير ديمغرافية منطقة عفرين وإسكان القوى التكفيرية وعوائلهم فيها، أيضاً قامت وتقوم بقتل المئات من المدنيين، الذين هربوا من بطش قصفهم وسياساتهم".

وأسفر الهجوم التركي منذ نحو شهرين عن مقتل أكثر من 1500 مقاتل كردي، وفقاً للمرصد، الذي أوضح أن "غالبيتهم قتلوا في غارات وقصف مدفعي للقوات التركية"، كما وثق مقتل أكثر من 400 مقاتل من الفصائل السورية الموالية لأنقرة، كما أعلن الجيش التركي عن مقتل 46 من جنوده.

كما أسفر أيضاً، عن مقتل 289 مدنياً بينهم 43 طفلاً، فيما تنفي أنقرة قصف المدنيين مؤكدة أنها تستهدف مواقع القوات الكردية فقط، ودفع اقتراب المعركة من مدينة عفرين بـ250 ألف شخص للفرار منها منذ الأربعاء، وتوجه معظمهم إلى مناطق تسيطر عليها قوات النظام السوري في شمال حلب، وأشار مدير المرصد رامي عبد الرحمن إلى أن عفرين "عبارة عن مدينة شبه خالية من السكان".

الأسد في الغوطة
ومن جهة أخرى، زار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اليوم الأحد، جنوداً سوريين في الغوطة الشرقية قرب دمشق، محتفلاً بـ"الانتصارات" التي حققتها قوات النظام، وسيطرته على أكثر من 80% من غوطة دمشق.



وتسبب الهجوم على الغوطة الشرقية، آخر أبرز معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق، بمقتل أكثر من 1400 مدني منذ 18 فبراير (شباط)، فيما يواصل آلاف المدنيين فرارهم من مناطق لا تزال تسيطر عليها الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية باتجاه أخرى تسيطر عليها قوات النظام، التي فتحت معابر لخروج المدنيين قبل نقلهم إلى مراكز إيواء.

وأفاد المرصد أن "15 ألفاً فروا الأحد من الغوطة ليرتفع إلى 65 ألفاً عدد النازحين منذ الخميس".

ومع تقدمها في الغوطة، تمكنت قوات النظام من تقطيع أوصالها إلى 3 جيوب منفصلة هي دوما شمالاً تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام، وحرستا غرباً حيث تسيطر حركة أحرار الشام، وبلدات جنوبية يسيطر عليها فصيل فيلق الرحمن.

وربما لا يفصل النظام الكثير عن إعلانه السيطرة الكاملة على الغوطة، خاصة بموجب الاتفاق الدائر بين "فيلق الرحمن" وروسيا والذي قد يقود إلى خروجه من غوطة دمشق.

وشهد الملف السوري في الآونة الأخيرة تراجعاً كبيراً في التصريحات المعادية بين تركيا والنظام أو إيران، وكذلك العمليات الميدانية، ما يشير إلى أن الحوارات بين تركيا وروسيا تؤتي أكلها، وتأتي سيطرة تركيا على عفرين دون اعتراض النظام السوري في الوقت الذي تنسحب فيه المعارضة من الغوطة ويتسلم النظام السيطرة عليها، لتبرهن على حقيقة الاتفاقات التي تجري بين موسكو وأنقرة وطهران في سوريا.