القبلة الموثقة.(أرشيف)
القبلة الموثقة.(أرشيف)
الجمعة 6 أبريل 2018 / 19:45

موضة وانتهت

أعترف بأنه لا عدالة في أن تتغافل ذاكرة الإنترنت الأزلية عن الذين تفننوا في تخوين الآخرين، وأبدعوا في احتكار الوطنية، واعتبروا أن كل من يختلف معهم في فكرة أو أسلوب حياة هو إنما أجنبي يتظاهر بمشاركتنا الانتماء

ليس لدي تعليق لأضيفه على قصة المواطن علي المزروعي. وليس هناك ما يُستحق أن يُقال أصلاً بعد التدخل البطولي من سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي.

إلا أني لا أعتقد أن القصة التي أشغلت الرأي العام الإماراتي يجب أن تنتهي بالقبلة "الموثّقة" على رأس المواطن المظلوم.

للحقيقة، لقد بُليت بذاكرة تعشق العبث بجراح الماضي، فلم يكن منها حين استمعت إلى التساؤلات المُستفزة الموجهة إلى المزروعي إلا أن ألقت بي في غياهب "منشني" التويتري الشخصي.

فمنذ البداية، اختار البعض التفاعل مع آرائي بأن يرجمني بما أوهمته سطحيته وغباؤه بأنها اتهامات.

فـهناك من "يرميني" بالانتساب إلى مذهب إسلامي آخر، ومن يجزم بمبايعتي لأرباب الماسونية، والذين أصابهم الخرف على ما يبدو، ففضّلوا الاستثمار في قلمي على فيديو كليبات كيشا وأفلام ديزني، ومن يؤكد بأني "مُجنّسة"، وكأن جدي وجده العاشرين كانا يقطعان الصحراء متأبطين جواز سفرهما "بوطير"!

كانت من نوعية الاتهامات الخفيفة، الظريفة، اللطيفة. تلك التي أشاركها أفراد أسرتي حول مائدة الغداء، فيتضاحكون. هلعاً لربما.
ثم سرعان ما طُمست ابتسامتي الساخرة.

فمعارضتي لإحدى التيارات المحلية صيّرتني "عميلة لقطر" لدى البعض، في حين إني لم أمارس العمالة إلا حين وشيت بهوية الزملاء الذين أعطوني العلكة المُحرّمة في المدرسة. وعدم اتفاقي مع الفهم السائد لبعض جوانب الدين حولني إلى "منسلخة من هويتي الوطنية"، كما قال من لم يلتقوا بي قط. وتغريدة لم تُفهم من جانب البعض الآخر أصبحت دليلا على حوثيتي، وكأن هناك ما يكفي من القات في العالم ليجعلني بذلك ألعته!

أنا وغيري الكثير من الإماراتيين كنا لقمة سائغة للتشكيك في ديننا ووطنيتنا، حتى لو اكتفينا بانتقاد "عصير إسماعيل مطر" في "الكافتيريات" الشعبية.

ونحن لا نتوقع من أحد أن يطبع قبلة اعتذار على رأس عصفورنا التويتري. ليس لأننا مثاليون، ولكن لأننا غالباً لا نذكر لهؤلاء المتهجمين اسما ولا شكلاً. والأهم من ذلك هو أني أتصوّر بأن الغالبية تنتهج مبدأ "عفا الله عما سلف"، فلا أغرب من اكتناز الأحقاد ضد الغرباء.

أعترف بأنه لا عدالة في أن تتغافل ذاكرة الإنترنت الأزلية عن الذين تفننوا في تخوين الآخرين، وأبدعوا في احتكار الوطنية، واعتبروا أن كل من يختلف معهم في فكرة أو أسلوب حياة هو إنما أجنبي يتظاهر بمشاركتنا الانتماء. لا عدالة في أن نعاملها وكأنها كانت موضة وانقضت شعبيتها، وعلينا جميعاً أن نتكيف بصمت مع المتسترين خلف زيهم الجديد من الاحترام المصطنع، وتقبّل الآخر.

ولا أعني بذلك طبعاً أنه يجب علينا أن نعكس الأدوار الآن في "محاكم التفتيش الافتراضية"، فنطارد ونقتصّ وننتقم.

ولكن آمل أن نكون قد انتهت تلك الموضة فعلاً، فلا يعود أي منا للتسامح مع أي مخوّن جديد يشير بإصبع التجني إلى البسطاء والطيبين.