من مذبحة الأرمن.(أرشيف)
من مذبحة الأرمن.(أرشيف)
الجمعة 20 أبريل 2018 / 20:08

التاريخ المبتور

أي ضوء نسلّط على التاريخ حين تترك انتقائيتنا ما لا نرغب فيه من حقائق تحت الظلمات؟ وكيف اختلفنا عن المناهج إذا كنا نمارس نوعاً مختلفاً من الصمت ليس إلا؟

لا أكاد أعرف شيئاً عن المناهج في الغرب، ولكني أتذكر بوضوح مقارنة الفيلسوف والرياضي الشهير برتراند راسل بين كتاب التاريخ الذي درسه في طفولته، والذي كان يذمّ الفرنسيين ويعددّ مثالبهم، بينما يمتدح الألمان ويعددّ مناقبهم، وبين كتاب التاريخ الذي أُصدر بعد الحرب العالمية، فصار يلقّن الطفل البريطاني أن الفرنسي ملاك له قلب من "الكريم بروليه"، والألماني شيطان مثل "معزّبه" الفوهرر.

ولاحظت مع احتدام المناكفات بين العرب والأتراك -أو بالأصح بين العرب والعرب المتأتركين- في مواقع التواصل الاجتماعي أننا لا نقل طيشاً عن كتاب الأطفال ذاك في تسييسنا للتاريخ.

ولن أبرئ نفسي، فأنا أحد المجرمين. وقد ضبطت نفسي متلبسة!

يبدو أن الجميع -بدءاً من فطاحل الثقافة والكتابة العرب- قد نشر أو علّق على صور الأرمنيات العاريات اللاتي ساقهن الجنود الأتراك إلى مصير موحش بين الاغتصاب، والصلب، والموت جوعاً وعطشاً في وقت ما بين 1915 و1917. وهم مشكورون على ذلك، فهم إنما يميطون اللثام، ويرسّخون الوعي، بتلك المجازر البشعة التي تعامت عنها المناهج والمدارس والوزارات، وكأنما لم تُنذر الفصول للتطبيل للإمبراطورية العثمانية.

ولكن أي ضوء نسلّط على التاريخ حين تترك انتقائيتنا ما لا نرغب فيه من حقائق تحت الظلمات؟ وكيف اختلفنا عن المناهج إذا كنا نمارس نوعاً مختلفاً من الصمت ليس إلا؟

ففي المرة القادمة التي تحدّق فيها في صور جثث الأرمن المتناثرة، وطوابير البؤساء المهجّرين، ضع ابهامك على التعليق الذي أردفه المغرّد أو الكاتب العربي، وهو الذي غالباً ما يكون معادياً للورم التركي الخبيث المتنامي في المنطقة.

فالتاريخ يقول بتورط قبائل من الأكراد والتركمان أيضاً في مذابح الأرمن بعدما أقنعهم الأتراك بذلك، فلم لا يمر لهم ذكر بين الباحثين عن الحقيقة منا يا ترى؟ هل لأن لا حاجة سياسية تستدعي منا أن نغضب هذه الأقليات بتعرية ماضيها؟

بل إن بعض الباحثين، مثل فيكين شيتيريان، يزعم بمشاركة بعض العرب ذوي الأصول القبلية في المذابح، وذلك على الرغم من أن الشعوب العربية عموماً كانت ذات موقف مشرف مع الأرمن. فهل طرح أحد من مدّعي التنوير بيننا علامات الاستفهام هذه، أو تصدّى لها بالبحث والتحري؟

وإذا كانت دماء الأبرياء الأرمن تقلقنا إلى هذه الدرجة، وعويلهم لا زال يقض مضاجعنا، فكيف لا يهمنا سوى إنكار تركيا وحدها للمجازر، فيما لا نلتفت لاعتراف الأكراد–وعلى رأسهم حزب المجتمع الديمقراطي- بدورهم السابق، واعتذارهم عنه، وإن لم يكن بضخامة الدور العثماني؟

المرء منا ليس مخطئاً بالطبع في لوم العثمانيين، فهم المتسبب الأول في المجزرة مهما أنكروها وتهرّبوا منها، وما بقية المجرمين سوى "كومبارس".
ولكن إذا كنا سنحمل لواء دحر الجهل، وتقويم ما عوّجته المناهج التعليمية، فعلينا –على الأقل- أن نحترم "العم جوجل" الذي يعيرنا صور القتلى والمعتقلين.