دمار ومتاريس في مدينة سورية (أرشيف)
دمار ومتاريس في مدينة سورية (أرشيف)
الإثنين 23 أبريل 2018 / 15:12

من خربشة على جدار إلى حرب السنوات السبع...كيف وصلت سوريا إلى هنا؟

24- زياد الأشقر

كتب الباحث أندرو تابلر في مجلة "أتلانتيك" الأمريكية أنه بعد سبع سنوات من التحولات والإنعطافات المرعبة في الحرب الأهلية السورية، يصعب التذكر أن كل شيء بدأ بكتابة بسيطة على جدار. ففي مارس (آذار) 2011، خربش أربعة أولاد في مدينة درعا الجنوبية على جدار: "جاء دورك، يا دكتور". كان توقعاً غير دقيق أن نظام بشار الأسد، وهو طبيب عيون متدرب في بريطانيا وإصلاحي على طريقته، سيسقط على غرار نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر وأخيراً القذافي في ليبيا. لكن قصة سوريا بدت أنها مختلفة.

إنها قصة الصراع العرقي، والتلكؤ الدولي، وفوق كل ذلك معاناة المدنيين. والحرب لا تنتهي الآن، وإنما تدخل مرحلة جديدة وربما أكثر خطورة

في مارس (آذار) 2011، خربش أربعة أولاد في مدينة درعا الجنوبية على جدار: "جاء دورك، يا دكتور".

كان توقعاً غير دقيق أن نظام بشار الأسد، وهو طبيب عيون متدرب في بريطانيا وإصلاحي على طريقته، سيسقط على غرار نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر وأخيراً القذافي في ليبيا.

لكن قصة سوريا بدت أنها مختلفة. بدأ القمع على نطاق ضيق. إذ اعتقلت أجهزة الاستخبارات الأولاد الأربعة الذين كتبوا على الجدار، ورفضوا إبلاغ أهاليهم عن مكان وجودهم. وبعد أسبوعين من الانتظار، نظم سكان درعا المعروفون بصراحتهم وانفعالهم، احتجاجات تطالب باطلاق الأولاد.

ورد النظام باطلاق الذخيرة الحية، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص، وكانت المرة الأولى التي تراق فيها دماء في الحرب التي قتل فيها حتى الآن نحو نصف مليون شخص. وكان كل تشييع يشكل فرصة للاحتجاج، وللنظام للرد بمزيد من العنف.

وذكر أن الاحتجاجات انتشرت بسرعة إلى بلدات ومدنٍ أخرى، مثل حمص ودمشق وإدلب وغيرها، واجتاحت النيران ما كان لا يزال يُعرف بالجمهورية العربية السورية. كانت الديناميات الكامنة التي حركت الانتفاضات العربية، مثل النمو السريع والسكان الشباب والنظام القمعي غير القادر على التغيير، متسقة في عدد من البلدان.

لكن التأثيرات اختلفت بشكل واسع، ولم تكن بالعنف الذي شهدته سوريا، حيث أن الآمال المبكرة بأن الأسد سيرحل على غرار الديكتاتوريين الآخرين، قد سقطت في سوريا مع الدمار الذي حل بمدن سوريا القديمة ومع تشظي حياة سكانها.

وتدرج رد النظام في توحشه، من نشر القناصة إلى اعتقال المحتجين الذين كانوا يطالبون بالحرية والكرامة، إلى إلقاء القنابل الكيماوية على مدن بكاملها، في حين كان العالم يكتفي بالمراقبة.

قصة صراع عرقي وتجاهل دولي
وفي الفترة الأخيرة، يبدو أن العالم عاد للمراقبة مجدداً، عبر مقتطفات على وسائل التواصل الاجتماعي، لما بدا أنه هجوم بالأسلحة الكيماوية في معقل للمعارضة. وشاهد العالم الضربات الإنتقامية للولايات المتحدة وحلفائها، وسمع البنتاغون يعلن النجاح في قصف ثلاث منشآت لها صلة ببرنامج الأسد للأسلحة الكيماوية.

فكيف انتقلت سوريا من كتابة على جدار، إلى مرحلة أوشكت فيها على إسقاط الديكتاتور، ثم إلى مرحلة تمكن فيها الطاغية نفسه من تثبيت سيطرته على بلد مقسم؟. إنها قصة الصراع العرقي، والتلكؤ الدولي، وفوق كل ذلك معاناة المدنيين.

والحرب لا تنتهي الآن، وإنما تدخل مرحلةً جديدةً وربما أكثر خطورة.

ولفت تابلر إلى أن صانعي القرار في العواصم الغربية طالما نظروا إلى نظام الأسد على أنه نموذج قاتم للاستقرار في الشرق الأوسط، لكن في 2011، أعتقدوا فجأة أن "قوة الشعب" ستسقط الأسد على غرار مستبدين عرب آخرين. ورغم ذلك، تبين أن الأسد يملك شيئاً لا يتوفر لدى الآخرين.

 ففي دول مثل مصر، كان الجنود بين خيارين، إما إطلاق النار على المحتجين أو التمرد على الأوامر والتخلص من الجهة التي تعطيهم الأمر،  ما يؤدي إلى انقسام في الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، وبالتالي إلى إطاحة الحكومة.

أما في حالة الأسد فإن الجيش يتمحور حول الإقلية العلوية وتليها أقليات أخرى مسيحية وشيعية مع استمالة السنّة الذين يشكلون الغالبية في سوريا.

وانسحب الجيش المؤلف من الأقلية من مناطق الغالبية السنية، وبات أكثر قدرة على إطلاق النار على المحتجين عوض التحول لإسقاط إخوانهم في السلطة. وهذا ما حصن نظام الأسد وجنبه الإنقسامات التي أدت إلى الإطاحة ببن علي ومبارك.

ولاحظ تابلر أن ذلك لم يكن جزءاً من حسابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي دعا في أغسطس (آب) 2011، إلى "تنحي" الأسد، وكأن الرجل القوي في سوريا سيترك السلطة من تلقاء نفسه.

ولتسريع العملية، دفع أوباما أوروبا وجامعة الدول العربية إلى تبني لهجة مشابهة، بالتزامن مع فرض عقوبات على نظام الأسد، وأبرزها حظر شراء النفط الخام السوري، شريان الحياة بالنسبة للنظام، لكن ما كان ناقصاً هنا هو خطة لإسقاط الأسد، إذا لم يتنح بطريقة سلمية.