جنريك مسلسل Manhunt: Unabomber (أرشيف)
جنريك مسلسل Manhunt: Unabomber (أرشيف)
الأحد 29 أبريل 2018 / 19:42

الكاتب وبصمة اللغة

شكراً لنتفليكس، فقد أصبح بمقدورنا أن نختار ما نريد أن نشاهده، وقد كان اختياري هذا الأسبوع أن أتابع مسلسلاً بعنوان Manhunt: Unabomber.

لكل كاتب بصمته اللغوية، هي نفسها طريقة التعبير التي لا تتغير بمرور العقود، مباشرة كانت أم مراوغة

هذا المسلسل القصير بدا لي أولاً، جديراً بالاهتمام لأنه قد بُني على أحداث حقيقية. بالعودة إلى يوكيبيديا الانجليزية اتضح أن اليونا بومر إرهابي حقيقي ابتليت به الولايات المتحدة ما بين 1978 و1995.

فقد ارتكب في هذه الفترة سلسلة طويلة من أعمال التفجير والتخريب. وخلال هذه الفترة الممتدة لم يتمكن جهاز الإف بي آي من الإمساك به، لأن هذا الإرهابي واسمه تيد كازينسكي، وهو أستاذ جامعة متخصص في الرياضيات، أطروحته للدكتوراه لم يفهمها إلا أربعة متخصصين على مستوى العالم، اختار أن يبتعد عن المدينة ليعيش في حضن الطبيعة في ولاية مونتانا، في كوخ ريفي بناه بنفسه بعيداً عن الكل. فقد كانت علاقاته بالناس شبه معدومة.

 كأنه بذلك يتبنى فكرة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو القائلة إنه بالعودة إلى الطبيعة، يعود الإنسان إلى الصدق والنقاء والطهر، إلا أن روسو لا يمكن أن يوصي بتفجير المباني على ساكنيها بعد ذلك.

بعد هذه الفترة الطويلة استطاعت الأف بي آي أن تقبض على كازينسكي وأن تقدمه للمحاكمة حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة. لقد كانت غلطة كازينسكي القاتلة إنه أصرّ على أن تنشر وسائل الإعلام المشهورة مثل نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، عمله الكتابي الذي يحمل عنوان Industrial Society and Its Future "المجتمع الصناعي ومستقبله"  متحدثاً عن دور التقنية في تدمير حرية الإنسان بحيث أصبح الخادم هو السيد والسيد هو الخادم.

هذا هو نفسه موقف الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر من التقنية، فهايدغر كان يرى في التقنية تهديداً، حيث الاستلاب المحتمل لحرية الإنسان، أي أن التقنية ترهن الإنسان إلى درجة لا يستطيع أن يتصور الوجود بدونها، ففقد الوجود طهرانيته التي كان يتمتع بها قبل ظهور التقنية. مرة أخرى، هايدغر رحل عن الدنيا ولم يُسجل عليه أنه قتل إنساناً واحد.

قراءة نص كازينسكي على القنوات التلفزيونية ونشره في الصحف، أدى إلى أن يقارن المختصون بالتحليل اللغوي لغة اليونابومر مع لغة كازينسكي الأستاذ الجامعي الذي يعيش في عراء الطبيعة، فوجدوا أن اللغة واحدة، البصمة اللغوية واحدة.

هذا هو أهم ما في الأمر، أن لكل كاتب بصمته مثلما أن لكل إنسان بصمته، وإذا كان العالم الإنجليزي السير فرانسيس غالتون قد أثبت لأول مرة في عام 1892 أنه أن لا بصمتين متطابقتان، وأن بصمة أي إصبع تبقى كما هي طوال الحياة، فكذلك الكتابة.

لكل كاتب بصمته اللغوية، هي نفسها طريقة التعبير التي لا تتغير بمرور العقود، مباشرة كانت أم مراوغة، هي نفسها الأخطاء الإملائية التي ينتبه إليها لفترة، ثم يعود لارتكابها بعد ذلك. وأهم من كل ذلك، هي نفسها الأفكار التي يدور حولها كل كاتب طوال حياته، حتى وإن تغيرت آراؤه بعض الشيء.

إلا أن الاهتمام هو نفس الاهتمام والتعاطي هو نفس التعاطي، ومباشرة تلك الأفكار يأتي بنفس الأسلوب على مر السنين.