مسجد مولت بناءه قطر في هولندا.(أرشيف)
مسجد مولت بناءه قطر في هولندا.(أرشيف)
الثلاثاء 15 مايو 2018 / 15:30

متى يوقف اليسار الهولندي تعاميه عن دعم الإخوان؟

ضمن مقال له في مركز "يوروبيان آي أون راديكاليزم" الأوروبي لمكافحة التطرف، كتب رونالد سانديه، محلل بارز سابق في الاستخبارات العسكرية الهولندية، تقريراً شدّد فيه على عدم اتّعاظ اليسار الهولندي من تحالفاته السابقة مع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي.

في سنة 2011، استنتجت المخابرات الهولندية أنّ الإخوان المسلمين هم تهديد مباشر على الأمن القومي كما خلص إليه التحقيق حينها

 وذكر أنّه في ديسمبر (كانون الأول) 2007، أعد تقريراً عن تنامي عقيدة الإخوان الإرهابية في هولندا. لكن في ذلك الوقت، لم يكن الإخوان قد سيطروا على مسجد واحد في تلك البلاد. وكان هنالك مركز إسلامي قيد الإنشاء في روتردام مع سريان إشاعات حول أنّ الإخوان كانوا يبذلون جهداً لنيل موافقة السلطات على بناء مسجد في أمستردام. لكن كل ذلك لم يشكل إلا بصمة صغيرة.

في ذلك الوقت، قاضى زعيم الإخوان في هولندا يحيى بو يافا أكبر صحيفة في البلاد "دي تيليغراف" وقد فاز في الدعوى. حينها وبمساعدة من محام بارز من حزب العمال الهولندي، أنكر بو يافا أنّه عضو في تنظيم الإخوان فوافقت المحكمة على ادعائه وكان على الصحيفة أن تنشر تصحيحاً وتدفع مبلغاً مالياً صغيراً للمدعي. لكن بعد أسابيع قليلة، قال وزير الداخلية الهولندي وهو ممثل لحزب العمال في الحكومة، إنّ الرجل الذي قاضى الصحيفة هو بالفعل زعيم الإخوان في هولندا.

ما الذي تغير؟
منذ ذلك الوقت، تغير الكثير في تلك الدولة. لقد أنشأ تنظيم الإخوان موطئ قدم صلباً داخل هولندا وهو يوسع نفوذه في السياسات المحلية والوطنية. علاوة على ذلك، ساهمت الأحزاب اليسارية الهولندية مثل حزبي الخضر والعمال في دخول الإخوان إلى الميدان السياسي. وقد بات التنظيم يملك عدداً من المساجد والمراكز الإسلامية الخاضعة لسيطرته المباشرة. ففي روتردام هنالك مركز السلام الثقافي الإسلامي ومركز الوسطية وهو اسم يرجع إلى تيار تابع لشيخ الفتنة يوسف القرضاوي. كما يملك التنظيم مدرسة سابقة اشترتها مؤسسة المركز الثقافي الاجتماعي في هولندا وهي الذراع الثقافية والاجتماعية لحزب النهضة في تونس. وفي أمستردام يملك الإخوان المسجد الأزرق.

تمويل قطري
أتت المدفوعات المنظمة الأولى لشراء العقارات والمباني في هولندا، من قطر. سنة 2008، قدمت قطر أموالاً أولية لمؤسسة يوروب تراست نيذرلاند لتمويل بناء المسجد الأزرق جزئياً في أمستردام. وفقاً لبو يافا، المدير العام لهذه المؤسسة حينها، أتى التمويل من مؤسسة قطر. في سنة 2011، استنتجت المخابرات الهولندية أنّ الإخوان هم تهديد مباشر على الأمن القومي كما خلص إليه التحقيق حينها. ورأت أنّ التنظيم قد يصبح خطراً على البلاد في المستقبل عبر خلق أرض خصبة للاستقطاب والانعزالية غير المتسامحة داخل المجتمع.

ومن بين النقاط التي سلّطت المخابرات الهولندية الضوء عليها، محاولات الإخوان في التغلغل داخل المجتمع المدني وكسب النفوذ. وأضاف التقرير: "إذا بدأوا أيضاً بالانخراط في صناعة القرار السياسي من دون أن يكونوا منفتحين حول هويتهم وإذا أخفوا مصالحهم ونواياهم فهذا يمكن أن يؤدي إلى إلى وضع غير مرغوب به".

تدريبات إعلامية في الخارج

يشير سانديه إلى أنّ هنالك توجهاً سياسياً واضحاً في هولندا أصبح بموجبه أعضاء التنظيم أو أشخاص مقربون منهم على مستوى الأيديولوجيا، ناشطين سياسياً. سافرت شخصيات إخوانية إلى الخارج لتلقي تدريبات إعلامية وعقد لقاءات تعارف مع أعضاء آخرين في الشبكة. على سبيل المثال، سافر جايكوب فان دير بلوم، مدير يومي لنشاطات مركز السلام الثقافي الإسلامي ومركز الوسطية في روتردام، إلى لندن للتدرب الإعلامي على يد اتحاد مسلمي بريطانيا في مسجد فينسبوري بارك. وتم تدريب آخرين على يد فاضل سليمان من مؤسسة الجسور أو ظاهر بيراوي وهو شخصية أساسية في شبكة حماس داخل المملكة المتحدة. حين أطلق زاهر بيراوي برنامجه التدريبي في روتردام حول ممارسة الضغط والنفوذ السياسي، ساعده ابراهيم عكاري، أحد أقدم المسؤولين في إخوان هولندا إضافة إلى نور الدين العوالي، سياسي محلي في روتردام.

وأصبح أحد أبناء عكاري ناشطاً سياسياً في الأحزاب اليسارية الهولندية بما فيها حزب العمال والحزب الاشتراكي. لكنّه الآن انتقل إلى حزب "نيدا" الإسلامي الإقليمي وحزب "دنك" الشعبوي المؤيد لأردوغان.

مؤسسا دنك من أصول تركية
إنّ مؤسسَي دنك هما نائبان هولنديان من أصول تركية: سلجوق أوزتورك وتوناهان كوزو. وقد انشقّ الأخيران عن حزب العمال سنة 2014 وأطلقا تيارهما السياسي الخاص الذي تحول لاحقاً إلى حزب دنك الفائز بثلاثة مقاعد نيابية سنة 2017. خلال الحملة الانتخابية السنة الماضية، اضطر دنك إلى الاعتراف بأنه استخدم حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التأثير على الرأي العام. من خلال خطاباتها وسلوكها، تتماهى قيادة دنك غالباً مع الإخوان المسلمين في هولندا.

تحالف يساري-إسلامي
في 21 مارس (آذار) 2018 جرت انتخابات محلية، وقد أيد داعمو الإخوان في روتردام حزب نيدا الذي يقوده نور الدين العوالي، عضو سابق في المجلس السياسي لحزب الخضر الهولندي في روتردام. والأخير يحضر غالباً في المظاهرات التي تقودها حركة حماس. في روتردام، وافق حزب نيدا رسمياً على الانضمام إلى تحالف يساري-إسلامي حيث تعاون حزب الخضر وحزب العمال والحزب الاشتراكي مع نيدا كي يبقوا حزباً شعبوياً محلياً خارج السلطة. لإنجاح التحالف قال نور الدين العويلي أن لا اتصالات "دافئة" مع فرع حزب العدالة والتنمية في هولندا، حزب "ويتد". لكنّ الواقع مختلف.

مساعد طارق رمضان
فقد دعم ويتد حزب نيدا في الانتخابات وكان عضو مجلسه السياسي السابق أحمد يلدريم مرشحاً عن نيدا لعضوية مجلس مدينة روتردام. وإلى جانب عباس فان نوبن نائب رئيس مركز الوسطية، برز أيضاً علي عزوزي، مرشح آخر عن نيدا وقد كان المساعد الشخصي لطارق رمضان حين كان الأخير ضيفاً محاضراً في جامعة إيراسموس في روتردام. وحقق نيدا مقعدين في انتخابات مجلس مدينة روتردام بينما حقق دينك أربعة مقاعد بعدم شارك للمرة الأولى في تلك الانتخابات.

دعوة للتبصّر
يخلص المحلل إلى أنّ أحزاب اليسار في هولندا غير قادرة على التعلم من أخطائها التي ارتكبتها في الماضي عبر ترك الإسلاميين المتطرفين يترشحون عن أحزابها. إنّ التحالف اليساري-الإسلامي لا يزال فاعلاً في هولندا تماماً كما هو الأمر في عدد الدول الأوروبية الأخرى. إنّ تعزيز أيديولوجيا الإخوان في السياسات الوطنية والمناطقية والمحلية داخل هولندا هو مؤشر واضح إلى أنّ غالبية السياسيين الهولنديين لا تملك أي فكرة عمّا يجري. اليسار متعامٍ بينما سمحت الأحزاب السياسية السائدة لعقيدة الإخوان بالانتشار من خلال مؤسسة ديانيت التركية ومجموعات ميلي غوروس ودنك ونيدا، من خلال مؤسساتها السياسية. ويختم سانديه تقريره بالدعوة إلى التبصّر وإعادة التأمل لتقويم المسار الذي وصلت إليه هولندا.