الشيشانية كوكو إستامبولوفا (128 سنة),(أرشيف)
الشيشانية كوكو إستامبولوفا (128 سنة),(أرشيف)
الجمعة 18 مايو 2018 / 20:14

دعوني أموت

عوضاً عن أن نتمنى لهما "طولة العمر"، ونؤكد على أن موتهما "بعد عمر طويل إن شاء الله"، ها نحن مضطرون إلى أن نذعن لأحقية كل شخص في أن "ينام على الجنب الذي يريحه"، حتى ولو كان في داخل تابوت!

إذا نظرتم إلى السجل الرسمي لأكبر المعمرين، لوجدتم اليابانية تشيو مياكو تتصدره بسنواتها الـ117. ولكن لـ"تبلّها وتشرب ميتها"، فالشيشانية كوكو إستامبولوفا، والتي يُقدّر عمرها بـ128 عاماً، لم تعد ترغب في العيش على أية حال.

لم تكد وسائل الإعلام تفرغ من صدمة إصرار العالم الأوسترالي ديفيد جوودال على السماح له بإنهاء حياته عن عمر يناهز الـ104 أعوام، حتى خرجت لنا إستامبولوفا بطلب لا يقل تقطيعاً لنياط القلب.

إنها تصف تعميرها بالعقوبة الإلهية، مصرة على أنها لم تحظ بيوم سعيد في حياتها. "لطالما عملت بجهد حيث أقوم بالحفر في تربة الحديقة. أنا متعبة"، تضيف فيما أتخيلها لا تختلف عن أي جدة تدعك حبة من "السح" لتستخرج نواتها، ثم تدسها بحياء من تحت برقعها الذهبي.

هذا ليس مقالاً لنتحزب بين سطوره مع أو ضد القتل الرحيم، ونتقاذف تعقيباً عليه الأدلة الشرعية على جواز هذه الوسيلة أو حُرمتها. أتخيّل شخصياً كم سيتضاعف علينا عبء العيش إذا ما أصبح كل منا ملزماً باختيار ساعة رحيله. ولكن حتى تحقق هذا السيناريو الذي يبدو أشبه بإحدى روايات ستيفن كينغ، فلا يهمني أبداً أن أستعرض رأيي في رغبة بعض الأفراد في استعجال الموت.

فإنما نحن التلاميذ هنا، لا القضاة.
حينما انتشر نبأ مخطط جوودال بالموت، والآن إذ تنتشر مطالب إستامبولوفا المشابهة، تأتي ردود أفعال الكثيرين ساخرة مستغربة. فهما يبدوان لنا أنهما أصلاً يضعان "رجلاً في الدنيا ورجلاً في القبر"، ماذا سيضر من تخطى القرن من العمر أن يتحمل بضعة سنين إضافية، بل لعله يموت غداً؟ أليس الموت هاجساً مؤرقاً أصلاً لمن هم في عمرهما، فلماذا يستدعيانه، لا سيما وأن كلاهما لا يشكوان مرضاً عضالاً؟

ثم لماذا لا يختاران الانتحار بصمت بجرعة زائدة من الدواء بدلاً من التصريح برغبتهما في الموت على رؤوس الأشهاد؟ من الواضح أنهما يسعيان لتسجيل موقف أخير مؤثر.

فربما كتب الله لهما أن تكون مهمتهما الأخيرة أن يخضعانا لتدريب قاس، مؤلم، محير. فعوضاً عن أن نتمنى لهما "طولة العمر"، ونؤكد على أن موتهما "بعد عمر طويل إن شاء الله"، ها نحن مضطرون إلى أن نذعن لأحقية كل شخص في أن "ينام على الجنب الذي يريحه"، حتى ولو كان في داخل تابوت!
أنا وأنت لسنا مسؤولين عن اتخاذ القرار بالسماح لهما بالموت من عدمه. ولكننا أمام فرصة لنتعلم احترام ما يبث السعادة والطمأنينة، ويلبي حاجة الشعور بالكرامة، لدى الآخرين، حتى وإن وجدناه أبعد ما يكون عن المنطق. نحن أمام فرصة لنطفئ قابليتنا التلقائية للتنظير بهراء لا نفهمه أساساً عن روعة الحياة والإيجابية، فقط لنقابل مواقف الآخرين السلبية التي تبدو لنا بدورها غير مفهومة.

من فضلكم، دعوهما يموتان، لعلنا حينها نتعلم درساً هاماً في أهمية العيش لأنفسنا.